وبعد الفتح الإسلامي وضم منطقة سوريا وفلسطين، تبلور دور اليهود كتجار داخل التشكيل الحضاري الغربي بصورة نهائية. وبالتالي اختفى التجار الفينيقيون، وفُتح المجال على مصراعيه أمام اليهود ليصبحوا الجماعة الوظيفية الوسيطة الوحيدة تقريباً في الغرب. بل وأصبحت الجماعات اليهودية، بانتشارها في حوض البحر الأبيض المتوسط وفي العالمين الإسلامي والمسيحي، تشكل أول نظام ائتماني عالمي يُسهِّل عملية انتقال التاجر من بلد إلى آخر ويُيسِّر عمليات التبادل التجاري وينظمها. وبذلك، أصبح أعضاء الجماعات اليهودية يشكلون الجسر التجاري والمالي بين العالمين الإسلامي والمسيحي مع بداية العصر الوسيط في الغرب، ولعبوا دوراً خطيراً في التجارة الدولية بينهما. ومما يجدر ذكره أن التجارتين الدولية والمحلية كانتا مرتبطتين تماماً، إذ كان التاجر يحمل السلعة من بلد إلى آخر أو من سوق إلى آخر ويبيعها بنفسه أو يبيعها لتاجر يهودي آخر مقيم في المدينة. ويُقال إن أعضاء النخبة الحاكمة في مملكة الخَزَر كانوا يرغبون في تطوير التجارة بمملكتهم، ومن ثم اعتنقوا اليهودية حتى يمكنهم التمتع بالتسهيلات الائتمانية التي يتمتع بها اليهود في شتاتهم، أي انتشارهم.

ومن العناصر التي ساهمت في تحوُّل الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية، علاقتها الخاصة بالزراعة في أوربا إبَّان العصور الوسطى (انظر: «علاقة الجماعات اليهودية بالزراعة» ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015