ولتفسير ذلك الوضع، يجب الوقوف عند ظاهرة تزايد عدد أعضاء الجماعة اليهودية في بولندا وتَحوُّلها إلى أكبر الجيوب اليهودية في العالم. وتقول الإحصاءات إن عدد يهود بولندا (في عام 1500) كان يبلغ نحو 10 - 15 ألفاً، ولكنه زاد فجأة إلى 150 ألفاً بين عامي 1500 و1648. وتقول الموسوعة اليهودية إنهم أصبحوا بذلك أكبر تَجمُّع يهودي في العالم إذ كان قد تم طرد يهود إسبانيا.

واستمرت الزيادة حتى بلغ عدد اليهود في العالم في أواخر القرن السابع عشر نحو مليونين، حسب رأي آرثر روبين، نصفهم سفارد ويهود من العالم الإسلامي والنصف الآخر إشكناز (في أوربا) إذ أن عدد يهود أوربا كان أساساً في بولندا وبلغ 500 ألف حسب هذه التقديرات. ولكن، مع العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر (عام 1770) ، بلغ عدد يهود العالم مليونين و250 ألفاً، غالبيتهم العظمى (1.75 مليون) في أوربا، منهم 1.2 مليون في بولندا وحدها، أي أن يهود أوربا أصبحوا يهود بولندا. وفي عام 1800، بلغ عدد يهود العالم وفقاً لتقديرات روبين، مليونين ونصف المليون، منهم مليون وخمسمائة ألف في أوربا ومليون في الشرق.

وقد بيَّن آرثر كوستلر في كتابه عن يهود الخَزَر أنه لا يمكن تفسير هذا الانقلاب السكاني إلا بما يسميه «الشتات الخَزَري» ، أي انتقال يهود الخَزَر، بعد سقوط مملكتهم، إلى شرق أوربا وخصوصاً بولندا. ولا يختلف المؤرخون الآن في أن أعداداً من يهود الخَزَر استقرت في بولندا، ولكنهم يختلفون حول حجم هذا العدد. ونحن، على أية حال، نميل إلى الأخذ برأي كوستلر لأنه، على الأقل، يفسر ظاهرة محيِّرة لا يمكن تفسيرها من خلال أية فرضية أخرى.

وقد صاحب زيادة يهود أوربا انخفاض تعداد يهود العالم الإسلامي الذين بلغ عددهم 600 ألف في عام 1800. ويذهب روبين إلى أن عددهم لم ينخفض وإنما ظل على ما كان عليه. ولذا، فهو يرى أن عددهم ظل يدور حول المليون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015