وتتبدَّى عبقرية يعقوب صنوع بشكل أوضح وأكثر بلورة حين يترك الخطاب البلاغي التقليدي ويستخدم روح الفكاهة المصرية ويُعبِّر عن الشخصية المصرية، كما في مقاله الفكاهي عن الخديوي إسماعيل الذي يتحدث فيه عن «مناقبه» فقال: «وكفاك أنه لا يعرف معروفاً ولا ينكر مُنكَراً. ولا يُوجَد في وقت الصلاة إلا جُنباً. وفي رمضان إلا مُفطراً. نعم يصوم ولكن عن الخيرات. ويستقبل الفجور متلطخاً بنجاسة الفحشاء. فاجر يقتات بالكبائر. ويتَفكَّه بالصغائر. ويروح من مولاه شاكياً ولشيطانه شاكراً، فكأنه عاهد إبليس فلم يَخُن له عهداً، ووعده أن يجد عنده كل معصية فلم يُخلف له وعداً» .
ورغم أن المقال مكتوب بالفصحى إلا أنه كُتب على طريقة كُتَّاب هذه المرحلة، كما أنه يتلاعب بالألفاظ وبترابطها بطريقة تُصعِّد حدة السخرية والفكاهة.
ولكن عبقرية يعقوب صنوع الحقيقية تظهر في استخدامه العامية المصرية للتعبير عن روحه الفكاهية فالخديوي هو «شيخ الحارة» ، والخديوي توفيق هو «توقيف» ، والفلاح المصري هو «أبو الغُلب» وهكذا، وقد أشرنا من قبل إلى افتتاحيات أبو زمارة والحاوي. وتظهر روح الدعابة المصرية في القصيدة الساخرة التي كتبها يعقوب صنوع بعد نشوب الثورة المهدية في السودان والتي يُشيد فيها بشجاعة السودانيين ويُشهِّر بالإنجليز:
يا محلا لنجليزية
أم عين زرقا وشعر أصفر
ياخسارة دالصبية
في جوزها العسكري الأحمر
شفتها امبارح يااسيادي
ماكنش حولها انجليز
فقلت لها ياميليدي (My lady) (1)
جيف مي إي كيس إيف يو بليز (Give me a kiss if you please) (2)
أنا في عرضك وان كيس (One kiss) (3)
قالت جودام بلادي فول (Goddam bloody fool) (4)
بلا فول بلا شعير
ماتتبغدديش علي
أنا ابن المهدي الكبير
احلمي علي شوية
فشفنا المهدي منصور
والجردون في الشق مكتوم
تاني يوم جابوه أسير
في مصيدة سودانية
أمام المهدي الشهير
مع ضباطه لنجليزية