اليهود المعاصرون يشيعون وينشرون أنهم نسل بني إسرائيل الأوائل الذين قطنوا فلسطين، وهم في زعمهم وارثو أولئك الإسرائيليين الأوائل الذين كانوا في فلسطين، ويجتهد اليهود في نشر دعوى نقاء العنصر اليهودي من الاختلاط بالأمم الأخرى، فهم جنس حافظ - في زعمهم - على نقاء عنصره، ولليهود في ذلك هدف خطير وحيوي بالنسبة لهم، وهو أن هذه الدعوة تجعلهم في نظر النصارى أبناءً ليعقوب ومن ذريَّته، فيكونون بذلك مقصودين بالوعود الواردة في العهد القديم لبني إسرائيل، فيستدرون بذلك عطف النصارى وإحسانهم ونصرتهم، خاصة إذا علمنا أن النصارى يقدسون التوراة، ويعتقدون أن ما فيها وحي من الله عزَّ وجلَّ، كما سيأتي بيانه. لكن الواقع يكذب اليهود في دعواهم نقاء جنسهم، وذلك أن نظرة عامة في هيآتهم وسحنتهم تدل على تباين أصولهم، ففيهم ذو السحنة الأوروبية، وذو السحنة العربية، وفيهم ذو السحنة الأفريقية. ومع هذا التباين لا يمكن إدعاء أن أصلهم واحد؛ إذ لا بد من أن يكونوا قد اختلطوا بأمم أخرى أورثتهم هذا التباين في السمات. ثم إن اليهود ذكروا في كتابهم أن كثيراً منهم تزوَّجوا بنساء أجنبيات، وأن نساءهم أخذهن رجال أجانب حتى إنهم ينسبون إلى سليمان عليه السلام ذلك. كما أنه ثبت تاريخيًّا أن أمة كبيرة- وهي شعب دولة الخزر- تهوَّدوا في القرن الثامن الميلادي، وكان ذلك الشعب من قبل وثنيًّا، وهو شعب تركي آري كان يقطن منطقة آسيا الوسطى، ودولتهم التي تسمَّى باسمهم دولة الخزر كانت تقع في المنطقة بين البحر الأسود وبحر قزوين، وتشغل منطقة شمال أذربيجان وأرمينية وأوكرانية وجميع منطقة جنوب آسيا إلى حدود موسكو عاصمة روسيا، وكان بحر قزوين يسمى بحر الخزر.
وقد جاء في (الموسوعة اليهودية) عن الخزر ما يلي:
( .. الخزر شعب تركي الأصل، تمتزج حياته وتاريخه بالبداية الأولى لتاريخ يهود روسيا .. أكرهته القبائل البدوية في السهول من جهة أخرى على توطيد أسس مملكة الخزر في معظم أجزاء روسيا الجنوبية، قبل قيام الفرانجيين سنة (855) م بتأسيس الملكية الروسية، في هذا الوقت (855) م كانت مملكة الخزر في أوج قوتها تخوض غمار حروب دائمة، وعند نهاية القرن الثامن تحوَّل ملك الخزر ونبلاؤه وعدد كبير من شعبه الوثنيين إلى الديانة اليهودية .. كان عدد السكان اليهود ضخماً في جميع أنحاء مقاطعة الخزر خلال الفترة الواقعة بين القرن السابع والقرن العاشر الميلادي .. بدا عند حوالي القرن التاسع أن جميع الخزر أصبحوا يهوداً وأنهم اعتنقوا اليهودية قبل وقت قصير فقط).
ثم إن هذه الدولة سقطت بعد ذلك في يد الروس، الذين احتلوها وقضوا عليها تماماً، واستولوا على جميع أراضيها، وقد تلاشت هذه الدولة من خارطة أوربا في القرن الثالث عشر الميلادي، وتوزع شعبها على دول أوربا الشرقية والغربية، وكانت أكبر تجمعاتهم في أوربا الشرقية هنغاريا وبولندا ورومانيا والمجر وروسيا. فهذا يدل دلالة واضحة أن اليهود الذين يسمون الإشكنازيم- وهم يهود أوربا- لا يمتون بصلة إلى يعقوب عليه السلام وذريته. ونحن المسلمين نعتقد أن انتسابهم إلى يعقوب عليه السلام أو غيره لا يغير من موقفنا منهم ما داموا يهوداً ومحاربين لنا ومعتدين على إخواننا؛ إذ إن الأنساب لا وزن لها مع الكفر، ولا حاجة إليها مع الإسلام.
¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 67