المطلب السابع: تشتتهم في الأرض:

في زمن سيطرة الرومان على منطقة فلسطين بُعث المسيح عليه السلام، وبعد رفعه وقع بلاء شديد على اليهود في فلسطين، حيث قاموا بثورات ضد الرومان، مما جعل القائد الروماني تيطس عام (70) م يجتهد في استئصالهم والفتك بهم وسبي أعداد كبيرة منهم وتهجيرها، ودمَّر بيت المقدس ومعبد اليهود، وكان هذا التدمير الثاني للهيكل، وقد زاد في تدمير الهيكل الحاكم الروماني أدريان سنة (135) م، حيث أمر جنوده بتسوية الهيكل بالأرض، وبنى فيها معبداً لكبير آلهة الرومان الذي يسمونه (جوبتير) وهدم كل شيءٍ في المدينة، ولم يترك فيها يهوديًّا واحداً، ثم منع اليهود من دخول المدينة، وجعل عقوبة ذلك الإعدام، ثم سمح لليهود بالمجيء إلى بيت المقدس يوماً واحداً في السنة، والوقوف على جدار بقي قائماً من سور المعبد، وهو الجزء الغربي منه، وهو الذي يسمَّى (حائط المبكى).

وبهذا تشتَّت اليهود في أنحاء الأرض، وسلَّط الله عليهم الأمم يسومونهم سوء العذاب ببغيهم وفسادهم وسوء أخلاقهم. وفي هذا يقول الله عز وجل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأعراف: 167].

وكان من الجزاء الذي حكم الله به عليهم- مع هذا العذاب المستمرِّ إلى يوم القيامة- تقطيعهم في الأرض وتشتيتهم فيها جزاء كفرهم وفسادهم، قال عزَّ وجلَّ: وَقطّعْنَاهُم في الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُم الصَّالِحُون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيِّئات لعلَّهم يرجعونَ فَخَلَفَ مِن بعدهم خلْفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيُغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مثلُهُ يأخذوه ألم يُؤخَذْ عليهم ميثاقُ الكِتَابِ ألاَّ يَقُولُوا عَلَى اللهِ إلاّ الحقَّ ودَرَسُوا ما فِيهِ والدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يتَّقُونَ أفلا تَعْقِلُون [الأعراف:168 - 169].

فهذه الآيات الكريمة تشرح واقع اليهود، فالآية الأولى تفيد بأن الله قضى عليهم بالعذاب المستمر بأيدي الناس إلى يوم القيامة.

والآية الثانية: تفيد بتمزيقهم في الأرض، وتمزيقهم أدعى إلى أن يقع بسببه البلاء الشديد عليهم جماعة جماعة، ولا يستطيع أن ينصر بعضهم بعضاً بسببه.

وقد خلف المسلمون الرومان النصارى في القرن الأول الهجري الذي يوافق القرن السابع الميلادي على الشام وفلسطين وجميع ما كان في يد الرومان في هذه المناطق.

وكان اليهود في حالة تشتت وتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، ولم يكن يسمح وقتها لليهود بالسكنى في بيت المقدس، كما سبق بيانه، بل كان من بنود المعاهدة بين نصارى بيت المقدس وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن لا يسمح لليهود بالسكن في بيت المقدس.

فاستمرَّ اليهود في التشتت والتمزُّق في أنحاء الأرض إلى بداية القرن العشرين.

¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 59

طور بواسطة نورين ميديا © 2015