ثم بعث الله فيهم عيسى عليه السلام، وبدلاً من أن يصححوا خطأهم وانحرافهم، ويكفوا عن خبثهم وتزييفهم أجمعوا على قتله عليه السلام، ولكن الله عز وجل نجَّاه منهم، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ [النساء: 157] ولم يكتفوا بما فعلوه بالمسيح عليه السلام في حياته، وإنما دوَّنوا افتراءات كثيرة على المسيح عليه السلام واتهموا أمه مريم عليها السلام بالبهتان، وعاثوا في الأرض فساداً (?).

واستمروا على جرمهم بعد رفع عيسى عليه السلام وأخذوا يكيدون لأتباعه، ويطاردونهم، ويعملون على تحريف الإنجيل، حتى تمكنوا من ذلك بالسر والعلن، وأخذوا يعيثون في الأرض فساداً حتى حقدت عليهم الأمم والشعوب؛ فشردوا في الأرض أكثر من مرة، فتفرَّقوا قبل الإسلام بالشام ومصر والعراق وجزيرة العرب، في يثرب وخيبر ونجران واليمن.

وفي كل أرض يحلون بها يكون ديدنهم التفريقَ بين الناس - كما فعلوا مع الأوس والخزرج في المدينة- واحتكارَ التجارة، والربا، وإشاعة الرذيلة والبغاء، وأكل أموال الناس بالباطل.

واستمروا على هذه الحالة إلى أن بُعث محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا قبل بعثته يستفتحون على الذين كفروا، ويخبرونهم بأنه سوف يخرج نبي، وأنهم سوف يحاربون مع هذا النبي، فلما ظهر النبي، كذَّبوه، وآذوه، واستهزؤوا به، وسحروه، وهموا بقتله، وألَّبوا عليه المشركين، وبدؤوا يبثون سمومهم داخل الصف المسلم، وظهر فيهم النفاق، واستمرَّ كيدهم للإسلام والمسلمين إلى اليوم؛ حيث أسهموا إسهاماً كبيراً في إثارة الفرقة ونشر الفرق الضالة كالشيعة، والجهمية، والباطنية، والمعتزلة بمختلف طوائفها، والصوفية بمختلف طرقها إلى اليوم، والشيوعية الحمراء، وغيرها من الفرق والطوائف التي لا تحصى. كل هذه الفرق والطوائف إما من صنعهم، أو من تشجيعهم، ومساندتهم, وصدق الله تعالى إذ يقول: وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة:33]، ويقول: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة: 217] (?).

¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب، لمحمد الحمد ص65 - 75

من المعلوم أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، ويعقوب هو الذي ينتسب

إليه بنو إسرائيل، وكان يسكن في منطقة فلسطين، متنقلاً في مناطق عدة فيها، وكان توطنها هو وأبناؤه من بعد إبراهيم الخليل عليه السلام يعيشون فيها حياة البداوة، قال عز وجل فيما حكاه من كلام يوسف عليه السلام: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ [يوسف: 100]. قال ابن كثير: مِنَ الْبَدْوِ أي: من البادية، قال ابن جريج وغيره: (وكانوا أهل بادية وماشية).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015