الفصل الثاني: عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام:

عقيدة المسلمين- وهي الحق الذي لا مرية فيه- في المسيح عليه السلام- تتلخص فيما يلي:

1 - أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ [النساء:171].وقال صلى الله عليه وسلم: ((من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)) (?).

فقوله: عبد الله: رد على الغالين, وقوله: ورسوله: رد على الجافين, ومعنى: كلمته: أي: كن؛ فعيسى خلق بكن، وليس هو كن.

وقوله: وكلمته، وروح منه. ليس معنى ذلك أنه جزء من الله؛ لأن ما أضيف إلى الله أو جاء بلفظ: منه. فإنه على وجهين:

أ- إن كان عيناً قائمة بنفسها فهو مملوك له، والإضافة من باب إضافة الشيء إلى مالكه أو المخلوق إلى خالقه, وقد تقتضي تلك الإضافة تشريفاً كناقة الله، ورسول الله، وبيت الله، وكليم الله, وقد لا تقتضي تشريفاً مثل أرض الله، وسماء الله.

ب- وإن كان المضاف إلى الله عيناً غير قائمة بنفسها فهي صفة من صفات الله مثل: سمع الله، يد الله، كلام الله.

وقوله: منه: أي: مخلوقة منه صادرة من عنده.

2 - أنه ولد من غير أب كما خُلق آدم من غير أب ولا أم: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون [آل عمران: 59].

3 - أنه أحد أولي العزم من الرسل، قال الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7].

4 - أنه عبد ليس له من خصائص الربوبية والألوهية شيء: إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ [الزخرف: 59].

5 - أن الله أظهر على يديه المعجزات والآيات، كإحياء الموتى، وإبراء الأكمه، وكلامه وهو في المهد صبيًّا.

6 - أنه دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ودعاهم إلى العقيدة الصحيحة، والأخلاق القويمة: إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [آل عمران:51].

7 - أنه بشَّر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6].

8 - أنه ليس بينه وبين محمد- عليهما الصلاة والسلام- نبي؛ لقوله تعالى: مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6].

9 - أنه لم يصلب ولم يقتل، بل رفعه الله إليه، كما قال تعالى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55] , وكما قال: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157، 158].

10 - أنه يَنْزِلُ في آخر الزمان فيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب, ويضع الجزية، وينتقم من مسيح الضلالة, ثم يموت في الأرض، ويدفن فيها، ويخرج منها كما يخرج سائر بني آدم؛ لقوله تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55].

هذه هي عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام، وهي العقيدة الصحيحة؛ فمن خالفها فقد شاق الله ورسوله، واتبع غير سبيل المؤمنين: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34 مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون [مريم:34، 35].

¤ رسائل في الأديان للحمد ص137 - 139

طور بواسطة نورين ميديا © 2015