لغة: كساء يُلتحف به وجمعه: بُرُد، والبُرد، بضم فسكون: ثوب مخطط جمعه أبراد، وأ برد، وبُرُود. وقيل: إذا جعل الصوف شقة وله هدب فهى بردة (1) وفى حديث سهل بن سعد أنه قال للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هى شملة، فقال سهل: هى شملة منسوجة فيها حاشيتها. (رواه البخارى) (2) والشملة: شقة من الثياب ذات خمل -أى أهداب- يتوشح بها ويتلفع.
واصطلاحا: حين يذكر لفظ (البردة) يتبادر منه بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بها.
وقد خلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم بردتين هما:
البردة الكعبية والبردة الأيلية.
1 - أما البردة الكعبية: فقد روى أن كعب ابن زهيركانت له ملاحاة مع أخيه بجير حين أسلم، تعرض فيها لأبى بكر رضى الله عنه، فكتب بجير إليه يحذره قائلا: إن كانت لك فى نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحدا أتاه تائبا، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشده قصيدة يظهر بها إسلامه، ويمدحه فيها، وهى قصيدة مشهورة مطلعها:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول
فعفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطاه بردته، ولذلك سميت هذه القصيدة بالبردة، وحددت بعض الروايات أنه ألقاها إليه عند قوله:
إن الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول
يقول ابن كثير: وهذا من الأمور المشهورة جدا ولكن لم أر ذلك فى شئ من هذه الكتب المشهورة باسناد أرتضيه، فالله أعلم (?).
فلما كانت خلافة معاوية بن أبى سفيان بعث إلى كعب بن زهير: بعنا بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف، فوجه إليه: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، فلما مات كعب بعثا معاوية إلى أولاده بعشرين ألفا وأخذ البردة (4)، وهى التى يلبسها الخلفاء فى العيدين (5).
2 - وأما البردة الأيلية: فقد روى أن أبا العباس عبدالله بن محمد اشتراها بثلاثمائة دينار، وأنها هى البردة التى توارثها خلفاء بنى العباس.
فالبردة التى كانت عند العباسيين قد تكون هى الكعبية، ورثوها من الأمويين، أو الأيلية، اشتراها أول الخلفاء العباسيين؛ إذ كانت عندهم بردة واحدة أحرقها هولاكو (6) ويروى حسن إبراهيم حسن أن الكعبية بيعت للمنصور العباسى بأربعين ألفا ولاتزال فى القسطنطينية إلى اليوم (7)، فلعلها إحدى هاتين البردتين.
ولما كانت قصيدة كعب قد أجيزت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردته، وكانت مخصصة لمدحه، فقد اتخذها الشعراء من المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم دليلا ينسجون على منواله القصائد فى مدحه، تقربا إلى الله وتنفيسا عن عواطفهم، وما يزال ذلك دأبهم.
ومن أشهر القصائد فى ذلك قصيدة (بردة المديح) للإمام شرف الدين أبى عبدالله محمد بن سعيد بن حماد البوصيرى الصنهاجى، ومطلعها:
أمن تذكرجيران بذى سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
وقد كان أحد أبويه من بوصير، وثانيهما من دلاص، وكلاهما بمصر الوسطى، ولد سنة ثمان وستمائة هجرية 1212م، وتوفى سنة ست أو أربع وتسعين وستمائة للهجرة 1296م، وقد لقيت قصيدته هذه قبولا عاما من المسلمين، حتى عقدوا لقراءتها المجالس، ورتبوا لها طرق الانشاد، معتقدين فى بركاتها، حيث إن ناظمها كان قد أصيب بالفالج حتى أبطل نصفه، وأعيا الأطباء، فصح عزمه على أن ينظم قصيدة فى مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم يتشفع بها إلى الله، ويرجو منه البرء والشفاء، يقول: إنه لما ختمها رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم فى منامه يمسح عليه بيده المباركة. ويلفه فى بردته الشريفة فعوفى لوقته.
وكما كانت قصيدة كعب بن زهيرمن عيون الشعر، كانته بردة البوصيرى؛ حتى رأى فيها الشعراء المجيدون مستوى رفيعا يتبارون فى ساحته، سواء بالمعارضة أو التشطير، أو التخميس، أو التسبيع، ورأى فيها العلماء ميدانا لفنونهم العلمية، لغوية وأدبية وحديثية، وغيرها حتى جاوزوا السبعين عددا، ومن أشهر من عارضها فى العصر الحديث أمير الشعراء أحمد شوقى بقصيدة عصماء مطلعها:
ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمى فى الأشهرالحرم
أ. د/عبد الفتاح عبد الله بركه