لغة: عنصر طبيعى فعَّال، يمثله النور والحرارة المحرقة، وتطلق على اللهب الذى يبدو للحاسَّه، كما تطلق على الحرارة المحرقة. ويقال استضاء بناره: استشاره وأخذ برأيه. وأوقد نار الحرب: أثارها وهيَّجَها. (1)
واصطلاحا: مما لا ريب فيه أن الجنة والنار مخلوقتان، موجودتان الآن، وأن الله خلقهما قبل خلق أهليهما، وأنهما لا تفنيان ولا تبيدان أبدا. (2)
قال الله تعالى عن الجنة {أعدت للمتقين} (آل عمران 133)، وقال {أعدت للذين آمنوا بالله ورُسله} (الحديد 21). وقال عن النار {أعدت للكافرين} (آل عمران 131)، وقال {إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا} (النبأ 21، 22).
ولقد عرض القرآن الكريم لموضوع النار، فى آيات كثيرة ومتنوعة (3)، والحديث عن النار يدخل فى باب السمعيات بلغة علم الكلام، وهى وسيلة من وسائل الترهيب للتذكير بعذاب الآخرة، علّى طريقة القرآن فى عرض حقائق الغيب والآخرة، كمشاهد حية شاخصة تؤثر فى نفسية المسلم (4). وأحيانا يعرض السياق القرآنى للنار فى مقابل الجنة فى الآية الواحدة، حتى يحدث التوازن النفسى بين الترهيب والترغيب لمتلقّى القرآن {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير} (البروج 10،11).
وجاءت السنة الصحيحة، لتذكِّر بالترهيب من النار يوم القيامة فى أحاديث عديدة، نذكر منها: عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتندلق أقتابه (يعنى أمعاء بطنه) فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: "كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه " قال: وإنى سمعته يعنى النبى - صلى الله عليه وسلم -: يقول " مررت ليلة أسرى بى بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء خطباء أمتك يقولون مالا يفعلون " (رواه البخارى ومسلم).
وقالت الماتريدية فى الجنة والنار بما دلت عليه النصوص من وجودهما وبقائهما، وكما ذهب الإمام البزدوى (من الماتريدية)، إلى أن الجنة والنار أعدتا، والإعداد هو الادخار، وهو تهيئة الشيء لأمر، .. قال عامة أهل القبلة: إن الجنه والنار لاتبيدان، فأهل الجنة يتنعمون أبدا وأهل النار يعاقبون أبداً (5) وذهبت فرقة الكينوية، إلى أن الأصول ثلاثة: النار، والأرض، والماء، وإنما حدثت الموجودات من هذه الأصول دون الأصلين اللذين أثبتهما الثنوية. وقالوا: النار طبعها خيرة، نورانية. والماء ضدها فى الطبع، فما كان من خير فى هذا العالم فمن النار، وما كان من شر فمن الماء، والأرض متوسطة. وهم يتعصبون للنار تعصبا شديدًا من حيث إنها علوية، نورانية، لطيفة، لا وجود إلا بها، ولا بقاء إلا بإمدادها، والماء يخالفها فى الطبع فيخالفها فى الفعل، والأرض متوسط بينهما. فتركيب العالم من هذه الأصول. (6)
ولقد شغلت " النار" فلاسفة الإغريق وبشكل خاص عند هيراقليطس، لقد كانت النار أساس تفسيره واستنتاجاته لقضية الوجود، فنظر إلى التغير والتحول السارى فى أرجاء الكون، ولم يجد أمامه سوى عنصر النار لتفسير هذا التحول والتغير. فكل شيء فى الوجود- من وجهة نظره- فى تحول وسيلان كالحلم واليقظة، الحياة والموت، الحار والبارد، الرطب واليابس، والليل والنهار، الصيف والشتاء، فالنار أصل كل شيء، وإليها يرد كل شيء، وهى مبدأ طبيعى وميتافيزيقى عند هيراقليطس. (7) وعرّف فلاسفة الإغريق العناصر الأربعة الماء، الهواء، النار، التراب حتى جاء العلم الحديث واكتشف خطأ هذا الآراء.
أ. د/ جمال رجب سيدبى
1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية2/ 100
2 - الماتريدية دراسة وتقويما، د/ أحمد بن عوض الحربى ص 421: دار الصميعى
3 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقى من753 - 725.
4 - مشاهد القيامة فى القرآن سيد قطب: دار المعارف
5 - أصول الدين للبزدوى ص 165، 166 نقلا عن د. أحمد بن عوض الحربى، السابق ص 422.
6 - الملل والنحل الشهرستانى 2/ 58
7 - انظر هيرا قليطس وأثره فى الفكر الفلسفى. د .. على سامى النشار: الناشر دار المعارف بمصر.