62 - المؤاخاة

لغة: أخا فلانا - أخوة، وإخاوة: اتخذه أخا (آخى فلانا مؤخاة وإخاء: اتخذه أخا) المعجم الوسيط مادة (أخو) (1).

واصطلاحا: الأخوة فى الدين الإسلامى أعلى رباط اجتماعى، ذلك أن الأخوة فى الدين ناتجة عن الإيمان العميق به، بحيث يخضع لأوامر ربه دون سواه، ومن ثم تكون هناك عاطفة قوية موحدة تجمع المسلمين جميعا.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة فى قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} الحجرات:10، كما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (المسلم أخو المسلم) وقوله: (وكونوا عباد الله إخوانا) بمعنى كونوا حريصين على أخوة الدين التى تجمع بينكم.

والحب الذى يجمع بين الأخوة فى الدين ليس حبا ينصب على الذات، وإنما هو منصب على الإيمان الذى يربط بين المؤمنين، بحيث يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، فالإيمان هو الرباط الدائم بين إخوة الدين، وهو الذى يضبط سلوك المؤمنين وعاداتهم.

إذ يقول الله تعالى: {لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} المجادلة:22.

كذلك يوضح الله نعمته إذ جعل المؤمنين إخوانا يجمعهم الإيمان، وعظم فضل الأخوة التى ارتبطت بفضل الإيمان ارتباطا وثيقا، إذ يقول تعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} آل عمران:103.

هكذا حرص الإسلام على المؤاخاة بين المسلمين، حتى فى أكثر الأمور خصوصية مثل الميراث، إذ كان الميراث فى بداية الإسلام بالأخوة فى الدين لا فى النسب، ولم يكن المسلمون الأوائل يبخلون بمالهم على إخوانهم المسلمين الفقراء الذين عانوا وطأة الاضطهاد بسبب دينهم.

ولذلك فإن النبى صلى الله عليه وسلم حين رأى مجتمع المدينة ممزقا حينما هاجر إليه بسبب الخلافات بين الأوس والخررج من ناحية، وبسبب فقر معظم المهاجرين وعوزهم من ناحية أخرى، طبق مبدأ أخوة الإسلام بحيث يشعر كل مسلم أنه مكفول كفالة تامة فى المجتمع الإسلامى.

ويقوم مبدأ المؤاخاة الذى طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم على أساس أن المسلمين جميعا أخوة، يعطى الغنى منهم فقيرهم بالمعروف ويعين القادر منهم غير القادر، إذ أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتأخوا فى الله اثنين اثنين، أو أخوين أخوين، فقد أخذ بيد على بن أبى طالب وقال: هذا أخى، وكان حمزة بن عبدالمطلب أسد الله، وزيد بن حارثة مولى النبى أخوين، وأبو بكر وخارجة بن زيد الخزرجى أخوين.

وهكذا تآخى كل واحد من المهاجرين مع رجل من الأنصار.

كانت المؤاخاة بهذا المفهوم الاقتصادى الاجتماعى درسا فى التنظيم الاجتماعى ولم يكن معناها أبدا أن يركن المهاجرون إلى الدعة، ويتوقفوا عن السعى وراء الرزق بل كان الهدف ترسيخ قيمة التكافل الاجتماعى بين من يشتركون فى أخوة الدين الإسلامى، بحيث يعين المسلم أخاه المسلم في وقت الحاجة الملحة دون تواكل على الغير بدون لببه أو ضرورة، ولذلك اشتغل بعض المهاجرين بالتجارة، على حين عمل البعض الآخر، فى حقول الأنصار ومزارعهم.

ونخلص من هذا كله بأن الأخوة فى الإسلام منَّ بها الله على المؤمنين، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - طبقها عمليا فى المؤاخاة التى قام بها بين المهاجرين والأنصار تثبيتا لدعائم المجتمع المسلم، وترسيخا للأسس التى قامت عليها أمة المسلمين.

أ. د/قاسم عبده قاسم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015