اصطلاحا: فرقة من فرق علم الكلام السنى، وتنسب لشيخها "أبى منصور الماتريدى محمد بن محمد بن محمود المولود بماتريد أو ماتريت "- قرية من قرى سمرقند فى بلاد ما وراء نهر جيحون- فى أرجح الأقوال سنة 238 هـ، والمتوفى سنة 333 هـ (1).
تلقى شيخ الماتريدية العلم على أكابر علماء المذهب الحنفى منهم: "أبو نصر العياضى" ونصر بن يحيى البلخى، ومحمد بن مقاتل الرازى.
وتتلمذ عليه الكثير من أعلام الفرقة منهم: الحكيم السمرقندى، وأبو الحسن الرستغفنى، وأبو محمد عبد الكريم البزدوى (2). ألَّف الماتريدى فى علم الكلام كتاب: التوحيد، ويشتمل على معظم الموضوعات الكلامية على مذهب الماتريدية، وكتاب المقالات، والرد على القرامطة، وبيان وَهْم المعتزلة ورد الأصول الخمسة للباهلى.
وله فى التفسير: تأويلات أهل السنة، وفى أصول الفقه كتاب: الجدل، ورد مآخذ الشرائع.
ومن أشهر أعلام الماتريدية: أبى المعين ميمون بن محمد النسفى المتوفى سنة 508 هـ صاحب "تبصرة الأدلة" وهو كتاب ضخم فى علم الكلام الماتريدى (جمع فيه ما جل من الدلائل فى المسائل الاعتقادية، وبين ماكان عليه مشايخ أهل السنة، وأبطل مذاهب خصومهم) (3).
والماتريدية مثل الأشعرية من أنشط الشعب فى مدرسة أهل السنة والجماعة (ظهرت فى الوقت الذى ظهرت فيه الأشعرية أى بداية القرن الرابع الهجرى- وهما معا وليدتا ظروف اجتماعية وفكرية واحدة ... وقد فصل بينهما المكان فكانت الأشعرية فى العراق والشام، ثم امتدت إلى مصر. وكانت الماتريدية فى سمرقند وما وراء النهر (4).
قامت الماتريدية بالرد على المخالفين والمغالين وبخاصة المعتزلة والروافض، والجهمية والمشبهة، وأصحاب الديانات الأخرى من سماوية أو وضعية، والتزمت فى ردها وعرضها للقضايا الكلامية بمنهج التوسط بين العقل والنقل.
ومع اتفاق الماتريدية مع الأشعرية فى المنهج، اتفقتا أيضا فى أمهات المسائل الكلامية مثل: وجود الله، وصفاته تعالى، وجواز رؤيته فى الدنيا، وتحقق الرؤية للمؤمنين فى الآخرة ... إلخ. إلا أنهما فى نفس الوقت اختلفتا فى بعض المسائل: حيث ذهبت الماتريدية إلى أن صفات الأفعال كالتخليق، والترزيق، والإعطاء والمنع، صفات قديمة مثل صفات الذات، وأنها ترجع إلى صفة رئيسية قديمة، وهى صفة التكوين المأخوذة من قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} (يس 82) يقول أبو المعين النسفى: " إن التكوين صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى، كصفة العلم والقدرة .. فكان التكوين أزليا والمكوَّن
حادثا، كالقدرة .. كانت أزلية والمقدور حادثا" (5).
بينما يقول الأشاعرة بحدوث صفات الأفعال، ومنها صفة التكوين، وترتب على القول بقدم صفة التكوين، القول بأن صفة القدرة ليست صفة تأثير، والتأثير الفعلى بمعنى الإيجاد والإعدام مرجعه لصفة التكوين.
بينما يقول الأشاعرة إن التكوين حادث، وهو من متعلقات القدرة والتى هى أساس التأثير الفعلى.
والإيمان بالله يوجبه العقل قبل ورود الشرع، وبالتالى من لم تبلغه رسالة الرسل لا يعذر، لأنه عطل عقله بينما هو معذور عند الأشاعرة، لأن العقل لا يوجب شيئا قبل ورود الشرع. يقول سبحانه: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء 15).
ويقولون إن وعد الله ووعيده لا يتخلف، بينما يقول الأشاعرة بتخلف الوعيد دون الوعد. وكل أفعاله سبحانه يترتب عليها الحكمة على سبيل اللزوم تفضلا لا وجوبا بينما يقول الأشاعرة إن ترتب الحكمة فى أفعاله يكون على سبيل الجواز.
واختلفتا فى قضايا أخرى مثل: تحديد المراد بالقضاء والقدر، والتكليف بما لا يطاق، والحسن والقبح، وهل تستلزم الإرادة الإلهية الرضا والمحبة أم لا ... إلخ.
أ. د/ محمد الأنور حامد عيسى
1 - الجواهر المضيئة لمحيى الدين القرشى 2/ 130 طبعة المعارف النظامية بالهند، والفوائد البهية لمحمد بن عبد الحى اللكنوى ص 195، الحسينية القاهرة 1324هـ. وتاج التراجم لزين الدين ابن قطلوبغا ص 173 المثنى ببغداد 1962 م.
2 - المصدرين السابقين.
3 - كشف الظنون 1/ 337، تبصرة الأدلة لأبى المعين النسفي تحقيق د/محمد الأنور.
4 - فى الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق، د. إبراهيم مدكور.
5 - تبصرة الأدلة 1/ 339.