21 - الفُؤَاد

لغة: القلب، أو: نياطه، أو: وسطه، أو: حبته وسويداؤه، أو: غشاؤه، وقيل: العقل. فهو إذن وثيق الصلة بالقلب، سواء بمعناه العضوى التركيبى أو بمعناه المعنوى الشامل. وفارغ الفؤاد: من لا هم عنده ولا حزن، قال تعالى:} وأصبح فؤاد أم موسى فارغا {(القصص 10)، أى فارغاً من الخوف والغم، لعلمها أنه لم يغرق بسبب ما تقدم من الوحى إليها.

واصطلاحاً: هو القلب المعنوى للإنسان، أو بعبارة أكثر تجريدا: هو ذلك العضو الذى ترتبط به كل مشاعره وأحاسيسه وإدراكاته. ونحن نعرف أن القلب يستخدم فى القرآن الكريم للدلالة على ما نعرفه الآن فى فهمنا الطبى والنفسى والفلسفى على أنه العقل. وقد وردت كلمة فؤاد ست عشرة مرة فى القرآن الكريم، خمسا مفردة، وإحدى عشرة بالجمع "أفئدة"، وكانت فى سبع مرات معطوفة على السمع والبصر، وذكرت أبصار معطوفة على أفئدة مرة واحدة.

وقد تكرر ورود السمع والبصر والفؤاد بهذا الترتيب فى القرآن، فهى وسائل الإنسان إلى المعرفة، وبها يهتدى الإنسان إلى الحق، ومن ثم فإن عليه أمانة ومسئولية} إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا {(الإسراء36).

ومن الجدير بالذكر أن الإنسان يكتسب هذه الملكات تباعاً، فالسمع يعمل فى الجنين وهو فى رحم الأم، بينما البصر لا يبدأ إلا بعد الميلاد، أما إدراك القيم والنشاط الوجدانى فتالٍ لهما بطبيعة الحال، يقول تعالى:} وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون {(النحل 78)، ويقول} وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون {(السجدة 9) وكذلك (الملك 23).

ويتأكد معنى آخر للفؤاد من استعمال القرآن الكريم لفظ فيما نعبر عنه الآن بالوجدان والبصيرة، كما فى قوله تعالى:} وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك {(هود 120) أى قلبك، وهو هنا القلب المعنوى لا العضلى. وقوله تعالى:} وأفئدتهم هواء {(إبراهيم 43) أى خالية لا تفكر، ويمكن أيضا فهم هذا النص على أنها متأثرة بالأهواء المختلفة.

وورد لفظ " قلب " مفردا، أو مثنى، أو جمعا فى القرآن الكريم (132) مرة. واستعمال "قلب " على المعنى المعنوى والقيمى أو المجازى شائع فى كل اللغات، وهو الجارى أيضا فى المصطلح القرآنى، وأساس ذلك الصلة الوثيقة بين القلب العضلى وبين المشاعر والعواطف والأحاسيس، فأثر الجهازين العصبيين السمبتاوى (الودى) وغير السمبتاوى (اللاودى) على وظيفة القلب معروف، وكذلك أثر الهرمونات والمواد الأخرى التى تبعثها الانفعالات والضغوط والكروب، مما يجعل القلب محلا لكل ذلك ومناطا له.

وعلى هذا المجاز جعل القرآن الكريم قلب الإنسان موضعا للهدى، والتقوى، والطهارة والسكينة، والاطمئنان، والخشوع، والإخبات، واللين، والوجل، والرأفة، والرحمة، والألفة، ووصفه بالسلامة والإنابة، كما جعله موضعا للضلال، والإثم، واللهو، والزيغ، وحمية الجاهلية، والرعب، والريب، والقسوة، والغلظة، والغل، والغيظ، والحسرة، ووصف بالمرض والعمى والطبع والختم والإغفال، وبأن عليه أقفالا وأكنَّة.

ومن المفسرين مَنْ لا يرى التفريق بين القلب العضوى والتركيبى وقلب مجازى معنوى، ويرون أن القلب العضوى العضلى هو ذاته موضع تلّك الأحاسيس والصفات التى ذكرت، وأن القلب دون المخ هو المنوط بتلك الوظائف، ويستشهد هؤلاء بقوله تعالى:} فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور {(الحج 46)، وهو رأى لا يؤيده الواقع الملموس فى العمليات الجراحية التى نزع فيها القلب العضوى تماما واستعيض عنه بمضخة آلية، عرفت باسم القلب الاصطناعى، تعمل بالطاقة، وعاش بها المرضى فترات دون أن يفقدوا تلك المشاعر والأحاسيس والمدارك.

أ. د/ محمد الجوادى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015