لغة: مأخوذ من الفعل يفسد إذا ذهب صلاح الشىء، ويستعمل مُضَعَّفا- بالتشديد- يقال: ما فسَّده وما أفسده بمعنى أى شيء ذهب بصلاحه، ولا يأتى منه الفعل المطاوع فلا يقال: انفسد الشىء، ويقال: أفسدتُه وأفسده، ويقال: قوم فُسْدَى، كما قالوا: ساقط وسُقْطِى. وأفسده، واستفسده، وتفاسد القوم بمعنى تدابروا وقطَّعوا الأرحام، واستفسد السلطان رعيته، واستفسد قائده إذا أساء إليه.
والفساد نقيض الصلاح، ولا يقال ضده؛ لأن النقيضين لا يجتمعان فى الأمر الواحد ولا يرتفعان عنه، فكذلك الفساد والصلاح، فلا يكون الشىء فاسدا صالحا فى نفس الوقت، ولا يكون لا فاسدا ولا صالحا، وإنما يكون على أحد الحالين: إما فاسدا وإما صالحا بخلاف الضدين فلا يجتمعان فى الأمر الواحد، وقد يرتفعان عنه، وكذلك الاستفساد والاستصلاح نقيضان، ولا يقال عنهما ضدين.
والفساد يطلق على الجدب والقحط كما فى قوله تعالى:} ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس {(الروم 41) أى أصابها الجدب والقحط، ويقال: فسدت الأرض وأفسدها إذا بارت بانقطاع زرعها، ويقال: إفساد الصبى؛ أن يطأ المرأة وهى مرضعة فيفسد لبنها وفى الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كره عشر خلال ذكر منها:
إفساد الصبى، بأن يطأ المرأة المرضع فإذا حملت فسد لبنها، وكان من ذلك فساد الصبى، وتسمى الغيِلة.
واصطلاحاً: الفساد يقابله الكون فيقال: الكون والفساد، كما يقال: الوجود والعدم، وهو عند الفلاسفة: زوال الصورة التى علّيها المادة بعد أن كانت حاصلة فيها، كزوال صورة الكرسى بأن تتفرق، أجزاؤه المكونة له، والفلاسفة انقسموا إلى فريقين فى تحديد معنى الفساد المقابل للكون.
1 - فريق يرى أن أصل الكون الوحدة، (مادة واحدة) وفسادها تغيير يطرأ على هيئتها وكيفيتها المكونة لها فتتحول صورتها وتتغير.
2 - وفريق يرى أن أصل الكون الكثرة، وفساده تفرق أجزائه المؤلِّفة لجرمه.
وأرسطو يرى أن الهيولى المقابلة للصور المختلفة هى علة فساد الكون، ولذلك عرَّف الفساد بأنه تغير يطرأ على الجوهر الأعلى ليصير جوهرا أدنى.
وعند المتكلمين أن الفساد خروج الشىء من حال الوجود إلى حال العدم دفعة واحدة، لا يسيرا يسيرا، ويقابله الصلاح، وهو خروج الشىء من حال العدم إلى حال الوجود دفعة واحدة.
والفاسد من الأعمال: ما خالف أمر الشارع قاصداً المخالفة، والفاسد من الاعتقاد: ما خالف عقيدة التوحيد قاصداً المخالفة، والفاسد من الأقوال: ما خالف برهان العقل قاصدا المخالفة.
وقد تكرر الفعل "فسد" ومشتقاته فى القرآن الكريم كثيراً، ويقصد به ما خالف أوامر الشرع فى الأعمال والأقوال والاعتقاد، ومنه قوله تعالى:} والله لا يحب المفسدين {(المائدة 64)} ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها {(الأعراف 56).
أ. د/ محمد السيد الجليند