2 - الفاعل

يقسم أرسطو "العلة" التى هى من لواحق الموجود- بما هو موجود- إلى علل أربع: علتين داخلتين فى قوام الشىء المعلول، وهما: المادة والصورة، وعلتين خارجتين عن المعلول هما: الفاعل والغاية التى تبعث على الفعل. ويعرف ابن سينا الفاعل بأنه "العلة التى تفيد وجوداً مباينا لذاتها"، أى تعطى شيئا ما وجودا يخالف وجودها، وهذا هو اصطلاح الفلاسفة الإلهيين فى الفاعل، أما الطبيعيون فالفاعل عندهم هو "مبدأ التحريك فقط "، أى هو الذى يفيد حركة ولا يفيد وجودا، وعليه فلا تسمى "الطبيعة" فاعلاً حقيقيا فى اصطلاح الفلاسفة الإلهيين؛ لأنها لا تفيد الوجود، إذ واهب الوجود ومفيده هو الله تعالى.

وقد يطلق على "الفاعل " العلة المؤثرة. ويختلف المتكلمون والفلاسفة فى سبب احتياج المفعول للفاعل: هل هو وجوده باعتباره فى نفسه أمرا ممكنا، أو وجوده من جهة كونه بعد عدم؟ والاحتمال الأول يعنى أن الإمكان هو علة الحاجة كما يقول الفلاسفة، أما الثانى فيعنى أن الحدوث هو علة الاحتياج، وهو مذهب المتكلمين… وينبه الفلاسفة إلى خطأ المذهب القائل بأن تأثير الفاعل قاصر على حال حدوث الشىء أو وجوده فقط، وبحيث لو أوجده الفاعل فإنه يستغنى عنه فى بقائه واستمرار وجوده. ويضربون مثال لذلك وجود البناء قائماً بعد انتهاء أثر البَنَّاء.

وخطأ هذا المذهب فيما يقول الفلاسفة الإلهيون- هو عدم الانتباه إلى أن تأثير الفاعل إنما هو فى الإيجاد وفى البقاء معا، إذ علة الحاجة- وهى الإمكان- ثابتة ومستمرة بعد الإيجاد، والبَنَّاء فى المثال ليس علة مؤثرة فى بقاء المبنى، بل حركته علة لحركة الأحجار ووضعها فى شكل معين، أما بقاء الشكل فهو معلول لأمر آخر .. ويقول الفلاسفة إن أكثر ما يظن فاعلاً كالأب والزارع والبنَّاء ليس فى الحقيقة عللاً فاعلة للوجود، بل هى معدات وأسباب، أما فاعل الوجود فهو الله تعالى. وربما أشار القرآن الكريم إلى ذلك فى قوله تعالى:} أفرأيتم ما تمنون. أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون {(الواقعة 58 - 59)، ومثله فى نفس السورة أيضا:} أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون {(الواقعة 63 - 64).

ومما تجدر ملاحظته فى الموضوع أن الأشاعرة وإن قالوا بأن "الحدوث" هو علة الحاجة إلى الفاعل فإنهم لا يقولون باستغناء المفعول فى بقائه عن الفاعل، لأنهم يقولون بأن الأعراض لا تبقى زمانين، فهى فى حدوث مستمر، وخلق متجدد لا يتوقف، وهو ما يسمى بتعلّق القبضة" باصطلاح المتأخرين منهم.

والفاعل بمعنى مفيد الوجود منحصر- عند الأشاعرة- فى فاعل واحد مؤثر، هو: الله تعالى. فلا فاعل إلا الله، وينكرون- من ثم- أن يفعل شىء فى شىء، حتى الأسباب، فإنها لا توجد مسبباتها ولا تفعل فيها.

وللفاعل أقسام عديدة، تختلف باختلاف الفاعلية، وهى: الطبع أو المقر أو التسخير أو القصد أو الرضا أو العناية أو التجلى، والحقيق باسم الفاعل. فيما يقول صدر الدين الشيرازى- هو: "مَن يطرد العدم بالكلية عن الشىء، ويزيل الشر والنقص، وهو البارى جل ذكره ".

وصانع العالم فاعل بالطبع فى مذهب الدهرية والطبيعيين، وبالإرادة والاختيار عند المتكلمين، وبالرضا عند الإشراقيين، وبالعناية عند المشائيين، وبالتجلى عند الصوفية.

أ. د/ أحمد الطيب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015