15 - عذاب القبر

اصطلاحا: من السمعيات التى ورد بها الشرع، ويجب على المسلم الإيمان بها "نعيم القبر وعذابه "- فى حياة تسمى بحياة "البرزخ " وهى ما بين الموت والبعث.

وقد تضافرت الأدلة من القرآن الكريم والسنة وإجماع الأمة علّى أن "القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار"- وهذا حديث نبوى متواتر المعنى- وفى القرآن الكريم يقول الله تعالى فى "آل فرعون" {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} (غافر 46) أى قبل يوم القيامة- وذلك إنما يكون فى القبر، بدليل قوله تعالى عقب ذلك: {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (غافر 46)؛ وفى حق قوم نوح - عليه السلام - {أغرقوا فأدخلوا نارا} (نوح 25) ومعلوم أن الفاء للتعقيب؛ وقوله: {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} (غافر 11) فالإماتة الأولى تقع فى الدنيا، والثانية تقع عند النفخة الأولى فى الصور، والإحياء الأول يكون فى الدنيا قبل الموت، والإحياء الثانى يكون فى حياة البرزخ فى القبر حيث النعيم أو العذاب؛ وقد ترك ما فى الآخر من إحياء لأن القائلين "ربنا .. الخ " يشاهدون ذلك ويعاينونه عند مقالتهم تلك- كما تواتر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - استعاذته من عذاب القبر، والأحاديث فى هذا الباب كثيرة.

وقد أنكر نعيم القبر وعذابه فريق ممن ينتسبون إلى الإسلام ـ وقد نسب ذلك إلى " المعتزلة " ولكن هذا ادعاء باطل فالمعتزلة لا ينكرون نعيم القبر وعذابه، إنما الذى أنكر ذلك هو ضرار بن عمرو ـ وهو ليس من المعتزلة، ولكنه كان يتردد عليهم فنسب إليهم وليس منهم.

والشبهات التى استند إليها المنكرون تتلخص فى أن بعض الناس يموتون ولا يقبرون ـ كمن غرق

فى البحر وأكلته الحيتان، ومن أحرقته النار فصار رمادا ـ فكيف يسأل هؤلاء وكيف ينعمون أو

يعذبون ـ مع أنهم لم يدفنوا فى قبور؛ ومن شبههم أيضا أن المصلوب يبقى مصلوبا أياما بعد

موته من غير أن يظهر عليه أثر للنعيم والعذاب ـ كما أننا لو فتحنا قبر ميت بعد دفنه بفترة من

الزمن لوجدناه على وصفه الذى كان عليه عند دفنه ـ بدون أن يظهر عليه أثر للنعيم أو العذاب

حتى لو وضعنا على صدره ـ عند دفنه ـ حبات من خردل ـ لوجدناها كما هى ـ مما يدل على

أنه لم يتحرك ـ إلى نحو ذلك من شبهات.

ويقال فى الرد على هذه الشبهات:

1ـ أنه إنما سمى بعذاب القبر ونعيمه؛ لأن الغالب على الموتى أنهم يقبرون- ولكن المراد به "حياة البرزخ "- فكل ميت يناله من النعيم والعذاب- فى حياة البرزخ- ما قدر له – وإن لم يدفن فى قبر.

2 - أن ما يخبر به الرسل إما أن يكون مما تشهد له العقول والفطر، وإما أن يكون مما لا تدركه العقول بمفردها- كالغيبيات- التى أخبروا بها عن حياة البرزخ واليوم الآخر وما فيه- وهى أمور لا تحكم العقول بأنها مستحيلة، وإن كانت لا تصل إلى إدراكها بمفردها- غير أنها أمور ممكنة فى ذاتها- أخبر بها الصادق الذى ثبت صدقه بالمعجزة، فتكون حقا لا ينبغى لعاقل أن يمارى فيه- وإذا حكم العقل باستحالة شيء من هذا القبيل فإن ذلك يرجع إما إلى خلل فى حكم العقل، أو كذب فى النقل عن الرسل.

3 - أن دار الدنيا لها أحكامها وقوانينها التى تجرى على الأبدان؛ وأما دار "البرزخ" فلها أحكامها التى تجرى على الأرواح - ونحن نرى مثالا لذلك فى الدنيا- وهو النائم الذى ينعم أو يعذب فى منامه بينما الملاصق له فى سريره لا يرى شيئا من ذلك ولا يحس به؛ مما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وكونه روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار- هو أمر لا يحكم العقل باستحالته، وقد أخبر به الصادق المؤيد بالمعجزة؛ فيكون حقا لا ريب فيه، ولا مستند لمن ينفيه.

هذا وقد اتفق المثبتون لنعيم القبر وعذابه أن الله يعيد إلى الميت فى القبر نوع حياة قدر ما يتلذذ ويتألم- ولكنهم توقفوا فى إعادة الروح إليه- وما يقال من أنه لا حياة بدون الروح فإنما يكون ذلك فى الحياة الكاملة- وهى المصحوبة بالقدرة والفعل الاختيارى- وقد اتفقوا على أن الميت لا يتمتع بذلك.

أ. د/ صفوت حامد مبارك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015