3 - العالَم

اصطلاحا: هو مشتق من العلم والعلامة، وهو ما ِسوَى الله من الموجودات، والعالَم اسم لكل ما وجوده ليس من ذاته، بل يحتاج إلى صانع يوجده، وينقسم العالَم إلى جسمانى وروحانى، كما ينقسم المعنى إلى عام وخاص، فالعالم يضم:

العالم الجسمانى: وهو مجموعة الموجودات من الأجسام الطبيعية، التى توجد فى الزمان والمكان، وهو هذه الأشكال المتعددة للمادة، والعالم بهذا المعنى مجمل الأشياء والظواهر والعلائق القائمة بين تلك الأشياء وتلك الظواهر.

والعالم المادى هو العالم الذى نعيش فيه وندرسه، وتكون العلوم الطبيعية ميدان المعرفة الخاص به، حيث المناهج التى تزن، وتقيس، وتكرر التجربة، وتبحث عن قوانين مبنية عليه.

وقد يختلط مصطلح العالَم مع مصطلح الكون، ولكن بينهما اختلافا دقيقا، فالعالَم هو عالم الناس، العالم الطبيعى، وعالم العلاقات بين الظواهر، أما الكون فهو أشمل، ومرادف للوجود المطلق العام، وقد يطلق على وجود العالم من حيث هو عالم، أو على العالم من جهة ما هو ذو نظام محكم، وتشمل المادة وغير المادة.

وهذا العالَم المحسوس منشأ لجميع الأفراد، وفيه تفهم حقيقته، وفيه الانفصال والاتصال، والتحيز، والمغايرة، والاتفاق، والاختلاف وقد ظهر قديما بين مفكرى الإسلام خلافا حول قِدَم العالم وحدوثه، ذهب أغلب الفلاسفة إلى أنه قديم، وذهب المتكلمون إلى أنه حادث، لكن ابن رشد يرى أن هذا الخلاف فى مفهوم العالَم يجب ألا يؤدى إلى أن المذاهب تتباعد حتى يكفر بعضها بعضا.

ويضم العالم الروحانى، الموجودات غير المادية، مثل عالم الأرواح والروحانيات، لأنها وجدت بأمر الحق بلا واسطة، وأحيانا يسمى هذا العالَم عند الصوفية بعالم الأمر، عالم الملكوت، عالم الغيب.

وقد تناول مفكرو الإسلام العالَم بالدراسة، ووصفوا العالَم المادى، وغير المادى، فأشاروا إلى أن العالَم المادى هو ما حواه السطح الظاهر، ويقال على جمله مؤلفة من أشياء مختلفة تنقسم إلى ثقيل وخفيف، وشكله كرة، ويتكون من عناصر بسيطة، وأجسام مركبة من هذه العناصر، وهذا العالَم يسمى عندهم بعالم الملك.، وهو أيضا عالَم الشهادة، عالَم المعرفة بالحس والمشاهدة الحسية. فهو الأرض بما عليها ومن عليها، عالَم الأعيان، عالَم الخلق حيث التغير والنقص والشر والفساد، وهو عالمَ الشهادة. كما يسمى عندهم بعالَم الكون والفساد، لأن الأجسام التى تشكل أجزاء هذا العالَم تتكون ثم تفسد، وهذا العالَم فى مقابل العالَم العلوى، أى عالمَ الأفلاك وما فيه مَن العقول والنفوس والأجرام. وعالَم الأمر عندهم ضد عالَم الخلق.

ويوضع العالم الأرضى فى منزلة دنيا، فالعالَم هو الدنيا ذات المرتبة الفانية، وهى الدار التى يقدم فيها الإنسان عمله، لينتقل إلى دار أخرى هى دار البقاء ليجازى عن هذا العمل.

وتوجد تفسيرات أخرى للعالم قدمها مفكرون وصوفية، فقد فرق إخوان الصفا- إحدى الجماعات الفكرية- بين العالَم الأكبر والعالَم الأصغر الأول هو عالَم الموجودات، والأصغر هو الإنسان، وعقدوا مقارنة بين الاثنين، فالجبال فى الطبيعة تشابه الرأس فى الإنسان، والأنهار فى الطبيعة تقابل عروق الدم فى الإنسان.

والآن يستخدم مصطلح العالمَ الأكبر إشارة إلى عالمَ الموجودات، وذلك فى مقابل المصطلح الأصغر وهو الذرة والنواة. وللصوفية تفسيراتهم للعالَم، فالعالَم عندهم هو الظل الثانى، ولا وجود لهذا العالَم عندهم، فالعالم صورة الحق، وقد تكلم الصوفية عن مفاهيم أخرى للعالم، فقالوا: عالم الجبروت، أى عالم الأسماء والصفات الإلهية، وعالم الأمر أى عالم الغيب، وعالَم الخلق وهو عالم الأجسام- والعالَم الكبير عندهم هو ما فوق السماء والصغير هو ما تحتها. وقيل: الكبير ملكوت السموات والصغير ملكوت الأرض. وأحيانا يطلقون اسم العالم الكبير على القلب، والصغير على النفس، أو قالوا كما ذهب إخوان الصفا- إن العالَم الكبير هو عالم السماء والأرض، والعالَم الصغير هو الإنسان.

والمعنى الخاص للعالَم يطلق على أجناس معينة، كما نقول عالم الإنسان، أو عالَم القيم، وعالم الأدب وعالم السياسة، وعالم المقال، وعالم المعقولات، ومن هنا قالوا: إن معنى العالَم هو الجملة، وهى جملة المعانى أو الأجناس والأنواع التى تدخل فى تأليف الحكم أو الاستدلال. وهذه العوالم كثيرة، قال الغزالى: "والعوالم كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى"

أ. د/ منى أحمد أبو زيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015