2 - الطَّبَقات

لغة: الطَّبَقة جمعها الطَّبَقات من المصدر طبقه الذى تؤول أكثر معانيه إلى تماثل شيئين إذا وضع أحدهما على الآخر ساواه وكانا على حذوٍ واحد، فقيل منه "تطابق الشيئان " إذا تساويا وتماثلا.

واصطلاحا: تقسيم إسلامى أصيل، وهو قد يبدو أقدم تقسيم زمنى وُجِدَ فى التفكير التاريخى الإسلامى. ولم يكن هذا التقسيم نتيجة مؤثرات خارجية ولكنه جاء نتيجة طبيعية لفكرة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالتابعين .. إلخ التى تطَّورت فى أوائل القرن الثانى الهجرى بالارتباط بنقد علم الحديث للإسناد (الجرح والتعديل). يؤيد ذلك حديث أورده البخارى نصه "خيرأمتى قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ".

ويظهر هذا المفهوم بوضوح فى كتب الإمام ابن حبان البُستىّ المتوفى سنة 354 هـ/ 965 م حيث قَسَّم الرواة فى كتابيه "الَّثقات " و "مشاهير علماء الأمصار" إلى ثلاث طبقات، هم: الصحابة، والتابعون، وأتباع التابعين، فصارت الطبقة هنا تعنى جيلا.

واخترع المحدثون التنظيم على الطبقات لخدمة دراسة الحديث النبوى الشريف ومعرفة إسناد الحديث ونقده، فهو الذى يؤدى إلى معرفة ما إذا كان الحديث متصلا، أو ما فى السند من إرسال أو انقطاع، أو عضل أو تدليس، أو اتفاق فى الأسماء مع اختلاف فى الطبقة.

وأول الكتب التى وصلت إلينا فى هذا الفن هى كتاب "الطبقات الكبرى" لمحمد بن سعد كاتب الواقدى المتوفى سنة 230 هـ/845 م، وكتاب "الطبقات " لخليفة بن خياط المتوفى سنة 240 هـ/854 م، ويمثل هذان الكتابان تطوراً هاما فى الكتابة التاريخية، وإن كانا يبينان لنا أنها لم تزل مرتبطة ارتباطا وثيقا بعلم الحديث، خاصة وأن موادهما جمعت فى المقام الأول بغرض نقد الحديث.

ولكن كتاب ابن سعد سبقه مؤلفات أخرى لم تصل إلينا مثل: " طبقات أهل العلم والجهل " لواصل بن عطاء المتوفى سنة 131هـ/748 م و" طبقات الفقهاء والمحدثين " و "كتاب من روى عن النبى وأصحابه " للهيثم ابن عدىّ المتوفى سنة 207 هـ/823 م و "الطبقات" للواقدى.

وقد تأثر بهذا النوع من التأليف نقاد الأدب، فكتب محمد بن سلام الجُمَحى كتابه "طبقات فحول الشعراء" ولكنه لم يقصد المعنى الذى يتبادر إلى الأذهان وإنما عنى بلفظ "طَبَقة" المذهب والمنهج " خاصة وأن من المعانى المختلفة لكلمة " طبقة " فى لسان العرب " الأحوال والمذاهب "، أى أنه قسمَّ الشعراء فى كتابه عشرة مذاهب أو عشرة مناهج من مذاهب الشعر ومناهجه.

وهكذا كانت بواكير التأليف فى فن الطبقات والتراجم كتب طبقات علماء الحديث، ثم أخذت فى الظهور كتب طبقات الفقهاء والشعراء والكتاب والوزراء والأطباء والحكماء والفلاسفة ... إلخ.

ويُعد كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادى المتوفى سنة 463 هـ/ 1071م أول كتاب فى التراجم جمع جميع هذه الفروع معا، رغم اهتمامه فى الأساس بالترجمة لرجال الحديث.

أما أول كتاب حرص مؤلفه على الترجمة لمجموعات مختلفة من الشخصيات الهامة التى لعبت دوراً بارزاً فى مختلف مجالات الأنشطة العلمية فى كل أنحاء العالم الإسلامى فكتاب "وفيات الأعيان " لابن خلَّكان المتوفى فى سنة 681 هـ/1282م، وإن كنا نجد أساس هذا النوع من التراجم فى النمط الجديد لكتابة الحوليات الذى بدأه أبو الفرج بن الجوزىّ المتوفى سنة 597 هـ/ 1201م عندما ألحق فى نهاية ذكره للحوادث التاريخية فى كل عام فى كتابه "المنتظم " تراجم من مات فى هذه السنة على اختلاف تخصصاتهم، وقد استمر هذا النوع من كتابة التراجم على النظام الحَولى وخاصة عند زكى الدين المنذرى المتوفى سنة 656 هـ/1258م فى كتابه "التكملة لوفيات النَّقَلَة"وعند الذهبى المتوفى سنة 748 هـ/1347م فى كتابه "تاريخ الإسلام " و "العبر فى خير من عبر" و "سير أعلام النبلاء".

وابتداء من القرن الثامن أخذ المؤلفون فى ترتيب الوفيات على القرون وتخصيص مؤلفات لوفيات كل قرن مرتبة على حروف المعجم، كان أسبقهم أبو شامة المقدسى المتوفى سنة 665هـ /1267م بكتابه "الذيل على الروضتين " أو " تراجم رجال القرنين السادس والسابع "، ثم تبعه ابن حجر العسقلانى بكتابه "الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة " وشمس الدين السخاوى بكتابه "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع " ..

وكان المؤهل الرئيسى لإدراج اسم شخص فى كتب الطبقات والتراجم هو مدى إسهامه فى أحد المظاهر الثقافية أو الفكرية المختلفة للمجتمع الإسلامى، على أن من أكبر عيوب التنظيم على الطبقات صعوبة العثور على الترجمة لغير المتمرسين بهذا الفن تمرسًا جيدا، فضلا عن عدم وجود تقسيم موحد للطبقة عند المؤلفين. ولكن عندما توفرت للمؤلفين مادة كافية لضبط تاريخ المواليد والوفيات إزداد عدد المؤلفين الذين ينظمون كتبهم الرجالية على الوفيات (الوفيات لابن رافع السلامى وشذرات الذهب لابن العماد) وإن أصبح الترتيب على حروف المعجم هو الأكثر شيوعا مثل "الوافى بالوفيات " للصفدى المتوفى سنة 763 هـ ومؤلفات ابن حجر والسخاوى السابق الإشارة إليها.

وفى فترة انتشار كتب "الطبقات " شمل هذا النوع جميع الفنون والعلوم (الأطباء، والفقهاء، والقراء، والنحويين، واللغويين، والمفسرين، والأدباء، والشعراء)، وإذ اكانت "الطبقات الكبرى" لابن سعد هى أول ما وصل إلينا من هذا النوع من المشرق الإسلامى، فإن كتاب "طبقات الأطباء والحكماء" لابن جلجل الأندلسى المتوفى بعد سنة 377 هـ/984 م هو أول كتاب وصل إلينا فى هذا الموضوع من المغرب الإسلامى.

وعادة ماتفيدنا هذه النوعية من الكتب فى التعرف على بدايات كل فن أو علم منها وتطوره من خلال دراسة رجاله وما أضافوه لهذا العلم أو الفن، فكتب التراجم والطبقات هى السجل الحافل للأنشطة الثقافية والدينية والعلمية للأمة الإسلامية، بالإضافة إلى ما تمدنا به من معلومات عن الحياتين الاقتصادية والاجتماعية من خلال العلاقات التى نستخرجها من مادة هذه التراجم. وأحصى لنا حاجى خليفة فى كتابه "كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون " أسماء الكتب المؤلفة فى فن الطبقات.

د/ أيمن فؤاد سيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015