لغة: الصهيونية نسبة إلى صهيون التى ذكرت فى أسفار العهد القديم ( O.T) أكثر من مائة مرة، وهو اسم عبرى أطلق أولا على إحدى ربوات مدينة القدس .. وكثيرا ما تطلق كلمة صهيون ويراد بها القدس، كما تطلق على كنيسة اليهود وجماعاتهم وأمتهم عامة (1).
واصطلاحا: هى حركة قومية مسئولة عن إنشاء دولة إسرائيل الحديثة كوطن قومى لليهود، ومع أنها تنسب إلى تيودر هرتزل th. herzl وجماعات القرن التاسع عشر فإنها ترجع إلى بداية عصر الشتات اليهودى: عز وجلiaspora حيث تتحدث أسفارهم عن عودة المطرودين المنفيين إلى بابل على يد بختنصر وبعد تقويض مملكة إسرائيل عام 721 ق. م.
وقد تميز تاريخ اليهود بتواتر ظهور مسحاء كذبة pseudo يزعمون قدرتهم على إعادة اليهود إلى صهيون مثل سيتاى زئيفى. s.zevi. وأسرة ناسى Nasi - الإيطالية الذين أذن لهم العثمانيون فى تكوين جماعة يهودية بالخليل. وحتى سنة 1791م - عام تحرير اليهود وانعتاقهم خلال الثورة الفرنسية، كان ينقص اليهود الأساس المحرك لنجاح الصهيونية، وفى القرن التاسع عشر، ومع تصاعد الشعور القومى فى أوروبا- ألهم موسى هس M. hess وديفيد لوزاتو وآخرين لبذل جهودهم لإحياء وبعث الشعور القومى لدى يهود الجيتو ghetto وقدم كل من موسى مونتفيورى، وإدموند روتشلد، وموسى هيرس- المساعدات المالية، ورسمت ونفذت برامج عديدة للعودة إلى فلسطين ... وفى سنة 897 1م عقد المؤتمر الصهيونى العالمى فى بازل بسويسرا برئاسة تيودور هرتزل، حيث انبثقت حركة سياسية عالمية. ونلاحظ أنه على الرغم من معارضة بعض اليهود لفكرة العودة إلى فلسطين، واعتراض بعضهم على رفض اليهود اقتراح بريطانيا بإنشاء الوطن القومى لليهود فى أوغندا- على الرغم من ذلك فإن الحركة الصهيونية قد نجحت، وحصلت فعلا على وعد بلفور 917 1م وموافقة عصبة الأمم سنة 922 1م، على الانتداب البريطانى على فلسطين لكى تحقق وعدها للصهيونية، وقد وقع عنف متزايد بين اليهود المستوطنين المهاجرين والفلسطينيين (كانت نسبة اليهود لا تتجاوز 6% من عدد السكان فى فلسطين) وأخيرا أقرت الأمم المتحدة تقسيم أرض فلسطين بين اليهود والعرب، ثم أعلنت دولة إسرائيل فى 14/ 5/1948م. هذا حديث الكاتب اليهودى شاول فريدمان (2).
أما الصهيونية- فى الواقع واعتمادا على ما جاء فى كتبهم وتلمودهم- فهى أفكار وطموحات وأحلام يهودية لتأسيس مملكة صهيون العالمية لكى تبسط نفوذها على فلسطين وما حولها أولا، ثم لتفرض نفوذها الباطن أو الظاهر على العالم بأسره فهى طموحات استعمارية استيطانية تتمثل فى:
1 - إنهاك المنطقة العربية، وتفتيت وحدتها، واستهلاك طاقاتها ومواردها، وشغلها بإسرائيل بحيث لا تقوم لها قائمة تجعلها تفكر يوما ما فى الثأر لنفسها من الغرب الذى استعمرها وسلبها حريتها وسيادتها ونهب مواردها.
2 - وبهذا تظل المنطقة العربية الإسلامية منطقة نفوذ وهيمنة غربية دائمةسياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا.
3 - الحيلولة دون قيام الإسلام بدوره الحضارى التحريرى والتنويرى فى العالم.
4 - تخليص المجتمعات الغربية من مشاكل اليهود المزمنة وترحيلها وتوطينها فى العالم العربى.
فالصهيونية- وإن كانت فى الأصل أفكارا وطموحات يهودية خبيثة- فإن الغرب قد وظفها لحسابه بعد أن أعاد صياغتها ووضعها فى برنامج تنفيذى، واصطنع لها- على عينه- زعماء، وهيأ بها كل وسائل النجاح السياسى والعسكرى والاقتصادى، بدءا من مؤتمر بازل، ووعد بلفور، والانتداب، واضطهاد اليهود وحرق بعضهم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين، إلى قرار التقسيم، إلى إنشاء الدولة الإسرائيلية على جثث العرب مسلمين ومسيحيين.
الصهيونية إذا صناعة غربية خالصة؛ لأن اليهود يعلمون- من أسفارهم المقدسة- أن إلههم قد قضى عليهم بالنفى والشتات بعد تدمير دولتهم وتخريب هيكلهم، بسبب عنادهم وإلحادهم وإفسادهم فى الأرض. وأكدت ذلك النصوص القرآنية كقوله تعالى:} وقطعناهم فى الأرض أمما {(الأعراف 168)، وقوله تعالى في سورة الأعراف أيضا (آية 167)} وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، إن ربك لسريع العقاب {.
ومن تصاريف القدر أن يتم تشتيت اليهود، وطردهم من فلسطين بشكل نهائى على يد الغرب الرومانى وبأمر من الإمبراطور هادريان فى القرن الأول للميلاد، فالغرب هو الذى طردهم وشتتهم وخّرب هيكلهم، واستمر شتاتهم زهاء ألفى سنة، ثم تغيرت ظروف المنطقة، وتبدلت استراتيجيات الغرب، فبعث فى نفوس اليهود ذكرياتها الجميلة وأحلامهم الحميمة فى العودة إلى صهيون، فاستبدل بالذكريات والأحلام والتطلعات اليهودية خطة سياسية عسكرية لإنشاء دولة لإسرائيل تحت سمعه وبصره، موظفا خصائص الشخصية اليهودية التى يتفق عليها القرآن الكريم مع بقية الوحى فى أسفار العهدين، المتمثلة فى الفساد والإفساد} ويسعون فى الأرض فسادا {(المائدة 33)، إلى بذر الفتن والمؤامرات وإيقاد نيران الحروب} كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله {(المائدة 64) إلى نقض العهود والمواثيق} أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم {(البقرة100)} ثم ينقضون عهدهم فى كل مرة {(الأنفال 56) إلى التحريف والتبديل والتزييف
} يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون {(آل عمران 78)} يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون {(البقرة 75)، إلى قساوة القلوب وفظاظتها (وقالوا قلوبنا غلف، (البقرة 88)} فيما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية {(المائدة 13)، إلى الجبن والخساسة} قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون {(المائدة 24).
وبعد فهذه هى الصهيونية العالمية المتآمرة مع الغرب الصليبى العنصرى الاستعمارى فى حلف أسود شيطانى، لكن سنة الله القاضية} إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم {
(الرعد 11) تجعلنا نرى الضوء فى نهاية النفق} فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا {
(الإسراء 104).} والله غالب على أمره {(يوسف 21).
أ. د/ محمد عبد الله الشرقاوى
1 ـ قاموس الكتاب المقدس، القاهرة، 1986م.
2 ـ saul. S . friedman, arb: zionism (grolisr engc. U. s.a. 1994.
وانظر _ david vital , orlgins 07 zionism, 1975.
وانظر w. lagueur, ahitary 07 zionism 1972.
3 ـ د. محمد عبدالله الشرقاوى، مقارنة الأديان، دار الجيل بيروت، 1994م