لغة: كلمة منسوبة للشعوب، فهى بذلك لا تفرق بين شعب وآخر من حيث الرفعة أو الضعة، وإنما تدعو للمساواة وهى بهذا المعنى متفقة مع الفكر الإسلامى الذى يرى أنه لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى إلا بالتقوى فالمفاضلة تكون بين الأفراد حسب أعمالهم، وليست بين الجماعات والشعوب، وجدى الحال على ذلك فى صدر الإسلام، فبلال الحبشى وصهيب الرومى، وسلمان الفارسى كانوا من خيرة الصحابة، وعندما غضب أبو ذر الغفارى على عبد له، وقال له يا ابن السوداء، صاح به الرسول صلى الله عليه وسلم إنك إمرؤ فيك جاهلية، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح (1).
وبدأ الإسلام يتسع على يد العرب، ويضم أقواما لهم فى التاريخ مكان مجيد، وجاء العصر الأموى الذى كان يعتمد على سيوف العرب فى فتوحاته وتوسعه، وظهرت روح جديدة لايقرها الإسلام وهى الفرق بين العرب والموالى، وفى أيسر تعريف للموالى أنهم المسلمون من غير العرب، وأحس العرب بتفوق جنسهم الذى كان منه الخلفاء والأمراء والكتاب والشعراء والفقهاء، وافتخر العرب بجنسهم ولم يساووا بين العرب والموالى وبخاصة من الفرس.
ومن هنا بدأ للشعوبية معنى جديد فى التاريخ يرمى إلى التعصب لغير العرب، واعتبارهم بتاريخهم العظيم أسمى من العرب، وقاد يهود فارس هذا الإتجاه.
وساعد على ذلك أن الدولة العباسية قامت بسيوف فارسية، وأن مفكرى الفرس اهتموا بالتفوق فى مجالات الأدب والشعر والتفسير والفكر، وذلك ضمن لهم التفوق فى المجال السياسى والفكرى، فأصبح الخلفاء يعترفون بفضلهم، وأصبح منهم العديد من الوزراء والأدباء والسفراء والمفسرين والمؤرخين.
وبدءوا بحاضرهم وماضيهم يعدون أنفسهم أسمى من العرب، وهذا هو المعنى الذى آل إليه معنى الشعوبية فأصبح للشعوبية معنى مزدوج هو الحط من الجنس العربى، والنيل من الدين الإسلامى، ووسيلتها لذلك التعصب لرفع شأن غير العرب وبخاصة الفرس والتفاخر بأمجادمم، ورقى حضارتهم، وما يتبع ذلك من تصغير شأن العرب والهجوم عليهم، ووصفهم بأحقر الأوصاف.
ويصور الجاحظ حركة الشعوبية وأهدافها بقوله: إن عامة من ارتاب فى الإسلام كانت الشعوبية أساس ارتيابهم فلا تزال الشعوبية تنتقل بأهلها من وضع إلى وضع حتى ينسلخوا من الإسلام لأنه نزل على نبى عربي، وكان العرب حمله أوائه عندما نزل (2).
ويلاحظ أن الفرس حاولوا أن يشركوا الأجناس غير العربية فى حركتهم الشعوبية فاستعانوا بأجناس وحضارات مختلفة ضد العرب، وتنفيذا لذلك راحوا يمجدون حضارة الفراعنة وحضارة الفينقيين والهند، ولكن ذلك لم يخدع هذه الشعوب، فإن هؤلاء ربحوا عقائديا وثقافيا وسياسيا بالاسلام فرفضوا أن ينضموا للفكر الشعوبى وتمسكوا بالفكر الإسلامى الذى يسوى بين البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم، والذى يدعو إلى التعاون بين الشعوب الإسلامية لخدمة الجميع.
وبقى الفرس وحدهم فى هذا المضمار، وقد وضعوا بعض الأحاديث التى نسبوها للرسول صلوات الله وسلامه عليه والتى تعلى من قدرهم.
واشترك بعض الشعراء الفرس فى هذا المجال فنظموا القصائد التى يهاجمون فيها العرب، ومن ذلك ما قاله أحدهم:
همو راضة الدنيا وسادة أهلها * إذا افتخروا لإراضة الشاه والإبل وقال آخر:
ولست تبارك إيوان كسرى * لتوضح أو لحومل فالدخول.
ووجد اليهود الفرس فرصتهم فى هذا المجال ليهاجموا الإسلام ورسول الإسلام فقالوا: منا العديد من الأنبياء والمرسلين وليس هناك أنبياء من العرب سوى ثلاثة هم هود وصالح ومحمد، ونسوا أن كثرة الأنبياء فيهم كانت لكثرة زيفهم وضلالهم، فأرسل الله لهم العديد من الأنبياء لإصلاح شأنهم ولكن بدون جدوى، وطعن اليهود الفرس فى إسماعيل الجد الأعلى للرسول صلوات الله وسلامه عليه فقالوا إنه ابن جارية (هاجر)، أما إسحق جدهم فإن حرة (سارة).
وهكذا خلق اليهود والفرس هذه النفرة للتفريق بين المسلمين، مع أن الإسلام لا ينظر إلى أصول الناس أو ثرائهم أو ألوانهم، وإنما ينظر إلى تقواهم وأعمالهم قال تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات:13.
والآية تذكر الناس بوحدة المنشأ، وتقرر أن تقسيم الناس إلى قبائل وضع طبيعى ناتج عن تعدد الأولاد والأحفاد، ولكن يهدف للتعارف لا للتفرقة، كما تؤكد الآية أن التفاضل لا يتخذ أساسه أصول الناس بألوانهم وأخباسهم، بل ينظر إلى عمق الإيمان وما يقدمه الناس من العمل الصالح.
أ. د/أحمد شلبي