لغة: فعله شرَّ يشر ويشُر بكسر الشين وضمها، وهو نقيض الخير ولا يقالَ ضده لآن الضدين لا يجتمعان وقد يرتفعان معا، وهذا هو شأن الخير والشر. فلا يجتمعان ولا يرتفعان معا، وجمعه شرور وقوم أشرار.
واصطلاحاً: الشر صفة أخلاقية للفعل الذى يقع على خلاف الطبع، وهو عدم ملاءمة الشيء لطبعه.
وعرّفه المعتزلة (فرقة كلامية) بأنه الضرر القبيح وما يؤدى إليه ويقابله الخير وهو النفع الحسن وما يؤدى إليه.
وعند أهل السنة هو الفعل العارى عن الحكمة (أى العبث) أو هو وضع الشىء فى غير موضعه اللائق به، ولا ينسب الشر إلى الله تعالى لا إلى أفعاله ولا إلى أقواله. لآن أفعاله كلها لحكمة مقصودة وليست عارية من الحكمة قال تعالى {ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت} (الملك 3) (أى قصور أو تقصير) وفى الحديث الشريف: (الخيربيديك والشر ليس إليك) وفى القرآن الكريم: {قل أعوذ برب الفلق. من شرما خلق} (الفلق 1. 2) فأضاف الشر إلى المخلوق ولم يضفه إلى الخالق. وعند المعتزلة أن الله لا يخلق الشر ولا يريده لأن الشر قبيح وإرادة الشر قبيحة والله منزه عن إرادة القبيح. وهو فعل للإنسان مخلوق له ومحاسب عليه.
والأشاعرة يرون ان الشر والخير كليهما مخلوقان لله لأنهم يعرِّفون الشر بأنه فعل الغير فى غير ملكه والله تعالى يفعل فى ملكه ما يشاء، وعند السلف أن الشر مخلوق لله مفعول للعبد والله تعالى لا يوصف بمفعولات العبد وإنما يوصف العبد بفعله، ولما كان الشر فعلا للعبد فينسب إليه ولا ينسب إلى الله.
وقضاء الله تعالى وقدره لا يحملان الشر للإنسان حتى وإن أصابه الضرر من قضاء الله وقدره لأن كل ضرر يصيب العبد من متعلقات القضاء والقدر لا يصح أن يسمى شرا إلا على سبيل التجوز فى الاستعمال اللغوى لأن قضاء الله كله خير حيث يضع كل شيء فى موضعه اللائق من حيث الحكمة الإلهية علم ذلك من علمه وجهله من جهله.
ويقسم الفلاسفة الشر إلى أنواع:
1 - شر أخلاقى كالكذب والظلم والخيانة والإنسان مسئول عنه لأنه الكاذب والظالم والخائن.
2 - شر طبيعى كالزلازل والأمراض والكوارث الطبيعية مما لا دخل للإنسان فيه، وهذا النوع إذا نظرت إليه بالنسبة إلى فاعله كان خيرا لآن للفاعل فى ذلك- وهو الله- حكمة- مقصودة- وخفاؤها على الإنسان لا يلغيها وإذا نظرت إليه بالنسبة للمحل المنفعل فإن الشارع يسميها ضررا وقد يسميها الإنسان شرا تجوزا فى الاستعمال. لكن الشرع لا يسمى ذلك شرا لأن الشرهو الفعل العارى عن الحكمة، ومحال أن يكون فعل الله عاريا عن الحكمة.
3 - شر ميتافيزيقى: وهو نقصان كل شيء عن كماله، والفلاسفة يعرفون الشر بأنه عدم الخير أو عدم الكمال، وقد يكون الشر أمرا وجوديا مثل انشغال القلب بالتفكير فى فعل الشر، وقد يكون أمرا عدمياً مثل فراغ القلب من التفكير فى فعل الخير، أو عدم التفكير فى فعل الخير، والشر العدمى سبب فى الشر الوجودى وعدم انشغال القلب بالتفكير فى فعل الخير يسمى شر النفس، وانشغال القلب بالتفكير فى فعل الشر يسمى سيئات الأعمال كما فى الحديث الصحيح .. نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. والشر كله ظلم لأنه وضع الشيء فى غير موضعه، والفعل الإلهى لا يوصف إلا بالخير فعقوبة السارق والزانى والقاتل خير من جهة فاعلها- وهو الله- لأن ذلك وضع للشيء فى موضعه لكنها بالنسبة للمحل المنفعل (الإنسان) قد توصف بأنها شر لعدم ملاءمتها لطبعه فيحدث الألم المنافى للذة، والله تعالى لم يخلق شرا محضا لا خير فيه من جميع الوجوه لأن حكمته تعالى تأبى ذلك، ولأنه سبحانه ميزه بالخير فلا يضاف إليه الشر لا خلقا ولا فعلا وإنما يضاف إلى المحل المنفعل به فيكون شرا من جهة المنفعل خيرا من جهة الفاعل، لما له فى ذلك من الحكمة وأفعاله سبحانه إيجاد وإمداد وعداد، فالإيجاد خير من الإعدام، وامداد الموجود بالوجود خير من عدم إمداده، وإعداده للوجود خير من منعه.
فصارت كلٌّ خيرا وسببا للخير.
أ. د/ محمد السيد الجليند