24 - السيَّرَة

السيرة لغة: السنة والطريقة، والحالة التى يكون عليها الإنسان، وهى من الفعل: سار يسير، والمصدر: سَيْر، وسِيرة، وتسيْار، وتسار، وتِسيرة.

واصطلاحا: السيرة النبوية هى السجل الدقيق الكامل لحياة النبى محمد - صلى الله عليه وسلم -، منذ مولده يوم الاثنين، الثانى عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل (570ميلادية). إلى وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، يوم الاثنين الثانى عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة هجرية، الثامن من شهر يونية 632 م.

كذلك تقدم إلينا السيرة النبوية- فى إحاطة شاملة- يوميات الدعوة الإسلامية فى عصر النبوة، بمرحلتيها: الأولى فى مكة المكرمة قبل الهجرة، والثانية فى المدينة النبوية بعد الهجرة. ولما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المثل الأعلى للمسلمين أجمعين، كما قال تعالى: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب 21). فقد حرص أصحابه الكرام أشد الحرص على استيعاب وحفظ كل ما سمعوه منه وما شهدوه معه، ونقل صورة كاملة عنه إلى الجيل التالى من المسلمين- وهم التابعون- وذلك تحقيقا للاقتداء به وترسُّم خطاه، فكان حال هؤلاء التابعين كأنهم يشاهدون النبى - صلى الله عليه وسلم - بأعينهم، ويسمعونه بآذانهم، ويشهدون معه الوقائع والمواقف التى مرت به وبأصحابه إبان عصر النبوة.

ومما لا ريب فيه أن حُفاظ الصحابة- وهم ينقلون هذه الصورة الحية إلى تلاميذهم التابعين- كانوا يعتقدون أنه أمر واجب يلزمهم القيام به أداء لحق الدعوة إلى الإسلام عليهم، وكذلك التزم بهذا الواجب وقام به أولئك التابعون نحو الجيل التالى لهم وهم تابعو التابعين، وهكذا حتى وصلت إلينا هذه السيرة العطرة كاملة غير منقوصة، تحفل بها بعض ُسور القرآن الكريم، وتحتشد لها كتب الحديث والتفسير، والمغازى، والشمائل ودلائل النبوة، والتاريخ والطبقات، وموسوعات الفقه، والأدب العربى.

إن القرآن الكريم، ومعه كل ذلك التراث الإسلامى الحافل قد وعى سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، ومعاملته مع الله ومع الناس، ومظاهر الإبداع فى خَلْقه وخُلُقه، وفى حبه ورأفته، وفى دعائه وابتهاله، وفى منطقه وحكمته، ومعالجته لمختلف الأمور، وفى اجتماع الكمال البشرى فى شخصيته. بل ليس هناك أدنى مبالغة إذا قلنا: إنه ليس فى الدنيا إنسان كامل تحدث التاريخ عن سيرته وحياته على التفصيل كما تحدث عن تفاصيل حياة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -

ولا شك فى أن دراسة السيرة النبوية تحقق لدارسيها أهدافا ذات أهمية بالغة، منها: الوقوف على التطبيق العملى لأحكام الإسلام التى اشتملت عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فى شتى مجالات الحياة. كما أننا نقف بدراستها على دلائل نبوته ومعجزاته - صلى الله عليه وسلم - فيزيد إيماننا وتقوى عقيدتنا. كذلك فإن معرفة ما حفلت به السيرة النبوية من مواقف إيمانية للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فى سبيل إعلاء كلمة الله، تقوَّى عزائم المؤمنين، وتثبتهم فى معركة الدفاع عن الدين والحق. وتغمر قلوبهم بالطمأنينة. وفى دراسة السيرة معرفة المثل الأعلى للإنسان الكامل الذى تجسّده شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

إن دارس هذه السيرة يحصل على قدر عظيم من المعرفة الصحيحة بعلوم الإسلام. من حديث، وتفسير، وعقيد ة، وشريعة، وأخلاق، وتربية، واجتماع، وسياسة، وغيرها. كذلك يتعرف دارس السيرة النبوية غلى تطور الدعوة الإسلامية فى عصر النبوة. وما عاناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فى سبيل نشر الإسلام، وما واجههم من مشكلات وعقبات. وكيف تغلبوا عليها. كما أن المعجزات التى أجراها الله سبحانه على يدى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تُفهم جيدا الا فى ضوء معرفة وقائع السيرة التى حدثت خلالها تلك المعجزات .. وثمة أمور أخرى يستمد الإنسان معرفتها من خلال دراسته للسيرة النبوية لا نطيل بذكرها.

ويبقى أن نلم- فى إيجاز- بأهم مصادر السيرة النبوية لتتم الفائدة من هذا التعريف.

وأول هذه المصادر هو القران الكريم- لا خلاف على ذلك- بل هو المصدر الرئيسى لسيرة النبى - صلى الله عليه وسلم -: إذ هو نص قطعى الثبوت. لأنه أصح كتاب عرفه البشر على الإطلاق ـ ولكي يمكن الإفادة من كتاب الله فى معرفة السيرة. فلابد من الرجوع إلى كتب التفسير وفى طليعتها: تفسير الطبرى. وتفسير ابن الجوزى، وتفسير ابن كثير.

ثم كتب الحديث النبوى وهى الموسوعات التى عنيت بجمع أقوال النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخَلقية والخُلُقية. كما تناولت سيرته. ومغازيه وـ وسراياه. وبعوثه. ومكاتباته وفضائل أصحابه وأزواجه - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذلك من موضوعات السيرة النبوية. وفى مقدمة هذه الكتب: صحيحا البخارى ومسلم، والمستدرك للحاكم النيسابورى،. وكتب السنن الأربعة لآبي داود، والترمذى، وأبن ماجه، والنسائى، والسنن الكبرى للبيهقى. ومسند الإمام أحمد. وموسوعات اخرى لا نطيل بذكرها.

ويلحق بكتب الحديث مصنفات أخرى. مثل: كتاب الشمائل للترمذى، وكتاب أخلاق النبى - صلى الله عليه وسلم - وآدابه لأبى الشيخ الأصبهانى، ودلائل النبوة لأبى نعيم الآصبهانى، ودلائل النبوة للبيهقى.

وكتب المغازى والسير، التى وضعها أصحابها خصيصاً لعرض السيرة النبوية على جهة التفصيل ومن أهمها: سيرة ابن إسحاق، التى هذبها ابن هشام، ومغازى الواقدى.

والسيرة النبوية لابن سعد، وجوامع السيرة لابن حزم، والسيرة النبوية للذهبى، والسيرة النبوية لابن كثير، وزاد المعاد لابن القيم.

ثم كتب التاريخ الإسلامى التى أفردت مساحة كبيرة لعرض السيرة النبوية، مثل: تاريخ خليفة بن خياط، والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان، وتاريخ المدينة لعمر بن شبَّة، وتاريخ الطبرى، والكامل لابن الأثير، وتواريخ أخرى عديدة لا يتسع المقام لذكرها. إننا ننبه إلى أن ما سبق ذكره من مصادر السيرة- يمثل مع كثيرغيره مما لم نذكره من المصادر- الأساس الذى استمد منه، وبنى عليه كل من كتب فى سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - بعدئذ من القدامى والمحدثين ..

أ. د/ محمد جبر أبو سعدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015