12 - السلفية

لغة: نسبة إلى السلف، والسلف هو الماضى، والسالف: المتقدم (لسان العرب).

وفى القرآن الكريم: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} البقرة:275.

واصطلاحا: هى الرجوع فى الأحكام الشرعية إلى منابع الاسلام الأولى، أى الكتاب والسنة، مع إهدار ما سواهما.

ومع وضوح هذا التعريف للسلفية، تعددت فصائل تيارها فى تراثنا وفكرنا الإسلامى، فكل السلفيين يعودون فى فهم الدين إلى الكتاب والسنة، لكن منهم فصيلا يقف فى الفهم عند ظواهرالنصوص، ومنهم من يعمل العقل فى الفهم، ومن الذين يعملون العقل: مسرف فى التأويل، أو متوسط، أو مقتصد.

ومن السلفيين: أهل جمود وتقليد، ومنهم أهل التجديد، الذين يعودون إلى المنابع لاستلهامها فى الاجتهاد لواقعهم الجديد.

ومن السلفيين من سلفهم -ماضيهم- فكر عصر الازدهار الحضارى والخلق والإبداع، ومنهم من سلفهم -ماضيهم- فكرعصر التراجع الحضارى والتقليد والجمود.

ومن السلفيين مقلدون لكل التراث، دونما تمييز بين الفكر وبين التجارب، ودونما تمييز فى الفكر بين الثوابت وبين المتغيرات، ومنهم مستلهمون لثوابت التراث، مع الاسترشاد بتجارب ومتغيرات التاريخ.

ومن السلفيين من يعيشون فى الماضى، ومنهم من يوازن بين السلف الماضى وبين الحاضر والمعاصر.

وهذا التنوع الذى يقترب أحيانا من درجة التناقض، فى مناهج فصائل السلفية، هو الذى أحاط مضامين هذا المصطلح، وخاصة فى فكرنا المعاصر بكثيرمن الغموض، وسوء الفهم، بل وسوء الظن أيضا.

ومن أشهر المدارس الفكرية التى حاولت الاستئثار، فى تراثنا، بمصطلح السلفية هى مدرسة أهل الحديث التى هالها الوافد اليونانى فلسفة ومنطقا وأفزعتها عقلانية اليونان المنفلتة من النقل الدينى، فاعتصمت بالنصوص، مقدمة ظواهرها، بل وحتى ضعيفها على الرأى والقياس والتأويل وغيرها من ثمرات النظر العقلى، وهى المدرسة التى انعقدت زعامتها للإمام أحمد بن حنبل (164 - 241هـ/780 - 855م) حتى ليحسبها البعض كل السلفية، بينما هى فى الحقيقة واحدة من فصائل هذا الاتجاه.

وفى منهاج هذه المدرسة يعلو النص على غيره، بل ويكاد أن ينفرد بالحجية، فالنص، وفتوى الصحابة، والمختار من فتوى الصحابة عند اختلافهم، والحديث المرسل والضعيف، ثم القياس للضروة هى الأصول الخمسة التى حددها الإمام أحمد بن حنبل أركانا لمنهج هذه المدرسة رافضا بذلك الرأى، والقياس، والتأويل، والذوق، والعقل، والسببية فى الفكر الدينى.

وعن هذا المنهج النصوصى "للسلفية النصوصية" -كما صاغه الإمام أحمد بن حنبل- يقول واحد من أعلامها هو الإمام ابن القيم الجوزية (691 - 751هـ/1292 - 1350م):

الأصل الأول: النصوص فإذا وجد النص أفتى به ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه، كائنا من كان ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف.

الأصل الثانى: ما أفتى به الصحابة فإنه إذا وجد لبعضهم فتوى، لا يعرف له مخالف منهم فيها، لم يعدها إلى غيرها ولم يقدم عليها عملا ولا رأيا ولا قياسا.

الأصل الثالث: إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها، ولم يجزم بقول.

الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف، إذا لم يكن فى الباب شىء يدفعه، وهو الذى رجحه -أى الحديث الضعيف- على القياس.

الأصل الخامس: القياس للضروة، فإذا لم يكن عنده فى المسألة نص، ولا قول الصحابة، أو واحد منهم، ولا آثر مرسل أو ضعيف، عدل إلى القياس، فاستعمله للضرورة.

وعن المنهاج التجديدي لهذه السلفية العقلانية يعبر الإمام محمد عبده (1265 - 1323هـ/1849 - 1905م) عندما قال: لقد ارتفع صوتى بالدعوة إلى تحرير العقل من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة، قبل ظهور الخلاف، والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، واعتباره من ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لترد من شططه، وتقل من خلطه وخبطه، لتتم حكمة الله فى حفظ نظام العالم الإنسانى، وأنه على هذا الوجه يعد صديقا للعلم، باعثا على البحث فى أسرار الكون، داعيا إلى احترام الحقائق الثابتة، مطالبا بالتعويل عليها فى أدبا النفس وإصلاح العمل.

ففى منهاج هذه السلفية العقلانية تآخى النص والعقل، وتزامل العلم والدين، وتآزرت السلفية والتجديد.

أ. د/محمد عمارة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015