لغة: يقال رؤية العين ورؤيا العين، ما تراه الباصرة، وجمع الرؤية رُؤَى. ورؤية العين معاينتها للشىء، وهى تتعدى إلى مفعول واحد، وإن كانت بمعنى العلم فإنها تتعدى إلى مفعولين، وقال ابن سيده: الرؤية النظر بالعين وبالقلب، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: الرؤية بالعين، هى إدراك الأشياء بحاسة البصر وعليها المعول فى الشهادة، ففى حديث ابن عباس رضى الله عنهما، أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم. قال: على مثلها فاشهد أو دع (أخرجه البيهقى فى سننه والحاكم فى مستدركه) (2).
لذلك رد كثيرمن الفقهاء شهادة الأعمى مطلقا لأن مبنى الشهادة على المشاهدة، وهو لا يشاهد، وبعضهم ردها فى خصوص الشهادة على الأشياء التى تحتاج إلى مشاهدة، وأجازها فيما يمكنه التعرف عليه بلمسه أو ذوقه أو شمه أو سماعه.
وقد أوجب الشارع على من اعتدى على آخر بالضرب على رأسه فأذ هب الرؤية من حاسة بصره ولو بقى جرم العين سليما - فإنه يقتص منه بمثل ما فعل، إن كان قد فعل ذلك به عمدا عدوانا، وإلا بأن كان خطأ، فتجب فيه الدية كاملة، فإن ذهبت رؤية إحدى العينين فنصف الدية.
وعن رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة ذهب أكثر العلماء إلى أن قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة} القيامة:22 - 23، يبشر المؤمنين برؤية ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة وذلك لاقتران النظر بلفظ إلى وقد قال تعالى {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} المطففين:15، ومفهوم ذلك أن المؤمنين لايحجبون منها (3)، وأن هذه الرؤية هى الزيادة التى وعد الله تبارك وتعالى بها المؤمنين من أهل الجنة فى قوله جل شأنه {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} يونس:26.
وفى رواية صهيب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظرإلى ربهم عز وجل) رواه مسلم (4) كما ثبت فى مسلم أيضا أنهم يرونه كما يرون الشمس بالظهيرة صحوا والقمر ليلة البدر صحوا (5).
وأما رؤية الله تعالى فى الدنيا فيقول الجمهور من أهل السنة بجواز وقوعها مستدلين لسؤال موسى عليه السلام فى قوله جل شأنه {قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} الأعراف:143، فبعد أن سمع موسى عليه السلام كلام ربه اشتاق لرؤيته ولم يطلب منه أن يريه آية، أو أنه طلبها ليعلم قومه الذين طلبوها منه أنها مستحيلة، كما يقول بذلك المعتزلة، وغيرهم ممن ينكر ذلك مستدلين بقوله تعالى {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} الأنعام:103.
وقد رد ذلك بأن الإدراك المنفى فى الآية هو بمعنى الإحاطة والحصر، وليس مجرد النظر والرؤية.
ومبنى الاستدلال من الجمهور أن موسى عليه السلام لو لم يعلم جواز وقوع الرؤية فى الدنيا لما طلبها إذ يبعد ألا يعلم ما يجوز فى حق الله تعالى وما يستحيل، لكن المولى عز وجل منعه منه رحمة به، لأن خلقه لا يقوى على المعاينة فقد دل على ذلك بأنه سبحانه سيتجلى للجبل وهو أقوى منه وأصلب، ثم أراه الجبل ولم يثبت، وذلك حتى يطيب نفسا، وأن حجبه عن الرؤية إنما كان رعاية له ورحمة به، وهذا هو رأى الأكثر، لكن نقل القاضى عياض عن الإمام محمد بن الطيب المشهور بأبى بكر الباقلانى شيخ علماء عصره ببغداد أن موسى عليه السلام رأى الله تعالى فلذلك خر صعقا وأن الجبل رأى ربه فصار دكا بإدراك خلق الله له، مستنبطا ذلك من قوله تعالى {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى} الأعراف:143.
ومن هنا وجد الخلاف فى مقولة رؤية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والمعراج حيثه اشتهر القول عند ابن عباس وأبى بن كعب وأنس بن مالك والحسن وعكرمة وأبى الحسن الأشعرى بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه مستدلين لقوله تعالى {ما كذب الفؤاد ما رأى} النجم:11، وأنكرت عائشة رضى الله عنها رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه بعينه وقالت: من قال إن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. وفى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن ذلك (نورأنى أراه) (6).
وفى رواية أخرى أخرجها مسلم أيضا قال: (رأيت نورا) (6) وهذا هو المشهور عن ابن مسعود حيث قال المراد هو رؤية محمد لجبريل عليه السلام على هيئته العظيمة التى خلقه الله عليها إذ لم يره بهذه الخلقة حيث سد الأفق بجناح واحد حين فرده من أجنتته الستمائة إلا مرتين وهما اللتان أشار إليهما المولى تبارك وتعالى فى قوله عز شأنه {ما كذب الفؤاد ما رأى} وفى قوله تعالى {ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى} النجم:13،14.
أ. د/أحمد على طه ريان