لغة: رثى له: رق له، والرثاء هو تعداد مناقب الميت، ونظم الشعر فيه. (1)
واصطلاحا: ذكر الجاحظ (255 هـ) (الرثاء) بمعناه العام: أى (فن الرثاء)، والخاص: أى بكاء الميت وإحصاء محاسنه (2).
وفرَّق قدامة بن جعفر (337هـ) بين المرثية والمدحة بأن المرثية يذكر فى لفظها ما يدل على أنها لهالك مثل (كان) و (تولى)، و (قضى نحبه) وما أشبه ذلك (3)، وتبعه فى ذلك ابن رشيق (456هـ) وأضاف: "وسبيل الرثاء أن يكون ظاهر التفجع بيَّن الحسرة، مخلوط التلهف والأسف والاستعظام إن كان الميت ملكا أو رئيسا" (4)
والرثاء من الموضوعات البارزة فى الشعر العربى، وهو يأخذ ألوانا ثلاثة:
1 - الندب: وهو بكاء الأهل والأقارب إذا عصف بهم الموت.
2 - التأبين: وهو ثناء على الميت وتعديد فضائله.
3 - العزاء: وهو مرتبة عقلية فوق التأبين، ينفذ فيها الشاعر من حادثة الموت الفردية إلى التفكير فى حقيقة الموت والحياة، وقد ينتهى به التفكير إلى معان فلسفية عميقة. وقد عرف العرب الرثاء فى العصر الجاهلى، إذ كان الرجال والنساء يندبون موتاهم، ومن أشهر من بكت واستبكت فى الجاهلية الخنساء فى رثاء أخيها صخر:
كأن عينى لذكراه إذا خطرت
فيض يسيل على الخدين مدرار
وإن صخرا لتأتم الهداة به
كأنه علم فى رأسه نار (5)
ومن الشعراء المخضرمين متمم بن نويرة وله شعر جيد فى رثاء أخيه مالك حين قتل فى حروب الردة، فيرد على صديقه بقوله:
يقول: أتبكى كل قبر رأيته
لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك
فقلت له: إن الشجى يبعث الشجى
فدعنى فهذا كله قبر مالك
وهذا أبو ذؤيب الهذلى يعبر عن لوعته لفقد أبنائه وقد هلكوا بالطاعون فيرثيهم بقوله.
أمن المنون وريبه تتوجع
والدهر ليس بمعتب من يجزع
أودى بنى وأعقبونى حسرة
بعد الرقاد وعبرة ما تقلع
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
وهذا ابن الرومى يرثى ابنه الأوسط محمدا فيقول:
توخى حمام الموت أوسط صبيتى
فلله كيف اختار واسطة العقد
ألام لما أبدى عليك من الأسى
وإنى لأخفى منك أضعاف ما أبدى
وقالوا: إن أرثى بيت هو:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه
فطيب تراب القبر دل على القبر
هذا ويدخل فى عداد الرثاء أيضا القصائد التى نظمها الشعراء فى البكاء على الإمارات والدول البائدة، والعمران الزائل والمجد الغابر كما فى كتاب المنازل والديار لأسامة بن منقذ.
أ. د/ عيد محمد شبايك