لغة: جمع "ديوان" والديوان يعنى السجل الذى يتم فيه تدوين الأعمال والأموال والقائمين بها أو عليها، أو على حد تعبير الماوردى فى الأحكام السلطانية: والديوان موضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال، ثم أطلقت الكلمة أيضا من باب المجاز على المكان الذى تحفظ فيه السجلات ويجرى العمل بها.
وقد اختلف الباحثون فى أصل هذه الكلمة، فذهب البعض إلى القول بأنها ترجع إلى أصل فارسى كما يذكر العلامة ابن خلدون فى مقدمته، بينما يعود بها البعض الأخر إلى أصول عربية، من دون الشىء أى: أثبته، على حد قول ابن منظور فى لسان العرب أخذا عن سيبوبه.
وكانت الحاجة قد استدعت إنشاء هذا النظام والعمل به على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى السنة الخامسة عشرة للهجرة، بعد أن بدأت الفتوحات الإسلامية للمناطق المجاورة لشبة الجزيرة العربية، وأخذت الأموال تتدفق على المدينة الإسلامية، وأصبح ضروريا وضع نظام دقيق لضبط هذه الأموال ومصارفها وتسجيل المستحقين لها.
ولما كان العرب قد انصرفوا فى صدر الإسلام للجهاد من أجل جعل كلمة الله هى العليا، فقد كان طبيعيا أن تكون أعمال الدواوين بأيدى أبناء البلاد المفتوحة وبألسنتهم، ومن ثم كتب ديوان الشام باليونانية أو الرومية كما يسميها المسلمون، وديوان مصر بها أيضا بالقبطية، وديوان العراق بالفارسية، وديوان إفريقية بالبربرية، وظل الأمر على هذا الحال حتى كان عهد الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان، فصدرت الأوامر بنقل هذه الدواوين جميعها إلى العربية، وهو ما عرف بتعريب الدواوين.
ولاشك أن حركة تعريب الدواوين قد أسهمت إسهاما فعالا فى نشر اللغة العربية على نحو كبير، إذ سارع أبناء هذه البلاد المفتوحة إلى تعلم العربية حتى لا يفقدوا وظائفهم فى تلك الدواوين، كما أنها أدت إلى ظهور طبقة جديدة فى المجتمع الإسلامى، هى طبقة الكتاب.
وكان ديوان الجند أول الدواوين التى أنشأها الخليفة عمر بن الخطاب، ويعرف أيضا بديوان الجيش أو العطاء، واختص بتدوين أسماء الجند وأوصافهم وأنسابهم وما يخصهم من العطاء، وشدد عمرعلى ضرورة التفرغ للجهاد حتى لا ينصرف الناس عنه إلى الدعة فى البلاد المفتوحة. وقد وصل ديوان الجند إلى أقصى مراحل تطوره فى أيام الخلافة الفاطمية، حيث صار يضم ثلاثة دواوين، هى الجند والرواتب والإقطاع.
أما الديوان الثانى فهو ديوان الخراج، وقد نشأ فى عهد الخليفة عمربن الخطاب بعد أن اتسعت فى عهده رقعة الدولة الإسلامية وكثرت الأموال، وغدت مهمته الإشراف على جباية الأموال وتدوين ما يرد منها إلى بيت المال وأوجه الإنفاق العام، وأضحى له -مع الاتساع- فرع فى كل ولاية.
ولما كان عهد بنى أمية، ونشطت حركة الفتوح، وامتدت أطراف الدولة، استدعى الأمر قيام عدد من الدواوين الأخرى، يأتى فى مقدمتها ديوان الخاتم الذى أنشأه معاوية ابن أبى سفيان ضمانا لسرية أمور الدولة، حتى أصبح ديوان الخاتم يعد أهم دواوين الدولة الإسلامية، وكانت مهمته تشمل أوأمر الخليفة ورسائله وحزمها بخيط ولصقه بالشمع ثم ختمه بخاتم الخليفة حتى لا يجرو أحد على فضه سوى المرسل إليه.
ويكمل عمل هذا الديوان ديوان الرسائل الذى عرف أيضا بديوان الإنشاء، ويشرف على الرسائل الواردة من الولايات إلى الخليفة، أو من هذا إلى عماله فى الأمصار، وازدادت أهمية هذا الديوان تدريجيا حتى صار الكثيرون يتنافسون للعمل فيه، وبلغ قيمة ازدهاره فى مصر زمن الفاطميين والأيوبيين والمماليك، ومن بين أعظم من شغلوا رئاسته القاضى الفاضل والقلقشندى.
وتعددت الدواوين فى الدولة الإسلامية بتطور عهودها، فظهر ديوان البريد، وتتضح أهميته من قول أبى جعفر المنصور: "ما كان أحوجنى إلى أن يكون على بابى أربعة نفرهم أركان الملك، ولايصح الملك إلا بهم .. أما أحدهم فقاض لا تأخذه فى الله لومة لائم، والآخرصاحب شرطة ينصف الضعيف من القوى، والثالث صاحب خراج لا يظلم الرعية، والرابع. وعض على أصبعه السبابة ثلاث مرات وقال صاحب بريد يكتب إلى بخبر هؤلاءعلى الصحة".
وإلى جانب ما سبق هناك عدد آخر من الدواوين، كديوان الطراز، وديوان التوقيع، وديوان الجهبذة، وديوان البر والصدقات، وديوان الزمام، ولكن تظل الدواوين الخمسة الأولى صاحبة الأهمية فى الدولة الإسلامية.
أ. د/رأفت عبد الحميد محمد