25 - الإسلام

مفهوم كلمة الإسلام بمعناه الشامل يعنى: الاستسلام والانقياد للخالق جل وعلا، فهو بهذا اسم للدين الذى جاء به جميع الأنبياء والمرسلين. فنوح عليه السلام قال لقومه: {وأمرت أن أكون من المسلمين} يونس:72. ويعقوب يوصى أولاده {يابنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون} البقرة:132،133. وموسى يقول لقومه {ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} يونس:84.

أما المعنى الخاص لكلمة الإسلام فهو يعنى: تلك الشريعة التى جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين إلى العالمين، والتى لا تقتصر على جنس أو قوم ولكن إلى الناس كافة، وهى بهذا شريعة عالمية كاملة.

ويدل على هذا: أن النبى قبله صلى الله عليه وسلم كان يرسل إلى قومه خاصة كما حكت آيات القرآن فى قوله {والى عاد أخاهم هودا} الأعراف:65. {والى ثمود أخاهم صالحا} الأعراف:73. {والى مدين أخاهم شعيبا} الأعراف:85، أما رسول الإسلام فقد أرسل للناس كافة وخاطبه القرآن بقوله {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء:107، {وما أرسلناك إلا كافة للناس} سبا:28.

وعلى هذا المعنى الخاص جاءت نصوص القرآن والسنة النبوية الشريفة، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة:3، {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} الأحزاب:40.

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) متفق عليه (1) ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين جاء سائلا عن الإسلام (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا).رواه مسلم (2) ومن هذين الحديثين تظهر أركان الإسلام الخمسة التى يدل عليها هذا الإطلاق الخاص للإسلام.

وللإسلام بالمعنى الخاص عدة خصائص ينفرد ويتميز بها عن غيره من الأديان، ومن هذه الخصائص:

1 - الربانية: فهو من عند الله فمصدره ومُشرِّع أحكامه هو الله تعالى بخلاف الشرائع الوضعية فمصدرها الإنسان. والنصوص الشرعية التى تدل على ربانية هذا الدين كثيرة منها: قولى تعالى {إن الدين عند الله الإسلام} آل عمران:19، وقوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران:85، وكثير من الآيات الدالة على أن الإسلام بدوره من عند الله.

2 - الشمول: فهو يجمع بين مصالح الدنيا والدين، وهو شامل لكل شئون الحياة، وسلوك الإنسان، وهو رسالة الزمن كله، والعالم كله والإنسان كله فى أطوار حياته، ومجالاتها كلها وهناك شمول فى جميع التعاليم الإسلامية.

3 - الوسطية: ويعبر عنها أيضا بالتوازن ويعنى بها التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين بحيث لا ينفرد أحدهما بالثأثير ويطرد الطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثرمن حقه، ويطغى على مقابله ويحيف عليه. ومن الآيات الدالة على هذه الخصيصة قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} البقرة:143.

4 - الواقعية: يعنى بها مراعاة واقع الكون من حيث هو حقيقة واقعة ووجود مشاهد، ولكنه يدل على حقيقة أكبر منه، ووجود أسبق وأبقى من وجوده، هو وجود الواجب لذاته، وهو الله تعالى. وكذلك مراعاه واقع الحياه من حيث هى حافلة بالخير والشر تنتهى بالموت توطئة لحياة أخرى. وكذلك مراعاة واقع الإنسان من حيث ازدواج طبيعته واشتمالها على الجانب الروحى والجانب المادى. وبهذا لم يكن الإسلام كغيره مجرد وصايا ومواعظ، وإنما كان للدين والدنيا وللعقيدة والشريعة والعبادات والمعاملات والأخلاق.

5 - الجمع بين الثبات والمرونة:

فالإسلام دين مرن متطور فى أحكامه وتعاليمه، وفى الوقت ذاته هو دين خالد ثابت فى تشريعه وتوجيهه، فهو بهذا دين متوازن. وهناك أنظمة للإسلام يتكون كل نظام منها من مجموعة من الأحكام ومن هذه اللأنظمة:

نظام الأخلاق ونظام المجتمع، ونظام الإفتاء، ونظام الحسبة، ونظام الحكم، ونظام الاقتصاد والمال، ونظام الجهاد ونظام الجريمة والعقاب ونظام الأسرة ونظام العلاقات الدولية ونظام العلاقة بالآخر.

6 - احتواء توجيهاته على مقومات العطاء الحضارى التى مارسها سلف المسلمين فصنعوا حضارة كانت هى الأساس الذى قامت عليه النهضة الأوربية.

أ. د/عبد الصبور مرزوق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015