علم "الحيل" الذى عرف عند العرب بهذا الاسم هو ذلك العلم الذى أطلق عليه قدامى الإغريق اسم "الميكانيكا" ولا يزال يحمل هذه التسمية حتى الآن.
وقد ازدهر علم الحيل فى العالم الإسلامى ما بين القرنين الثالث والسابع الهجريين، التاسع والثالث عشر الميلاديين، واستمر عطاء المسلمين فيه حتى القرن السادس عشر الميلادى تقريبا.
ويمثل علم "الحيل النافعة" الجانب التقنى المتقدم فى علوم الحضارة الإسلامية حيث كان المهندسون والتقنيون يقومون بتطبيق معارفهم النظرية للإفادة منها تقنيا فى كل ما يخدم الدين ويحقق مظاهر المدنية والإعمار.
وقد جعلوا الغاية من هذا العلم "الحصول على الفعل الكبير من الجهد اليسيرا، ويقصد به استعمال الحيلة مكان القوة، والعقل مكان العضلات، والآلة بدل البدن، ذلك أن الشعوب السابقة كانت تعتمد على العبيد، وتلجأ إلى نظام السخرة في إنجاز الأعمال التى تحتاج إلى مجهود جسمانى كبير، فلما جاء الإسلام ونهى عن السخرة وإرهاق الخدم والعبيد وتحميلهم فوق ما يطيق الإنسان العادى، إلى جانب تحريمه المشقة على الحيوان أتجه المسلمون إلى تطوير الآلات لتقوم بالأعمال الشاقة، وبعد أن كانت غاية السابقين من علم "الحيل" لا تتعدى استعماله فى التاثير الدينى والروحى على اتباع مذاهبهم، مثل استعمال التماثيل المتحركة أو الناطقة بواسطة الكهان، واستعمال الأرغن الموسيقى وغيره من الآلات المصوتة فى المعابد، فقد جاء الإسلام وجعل الصلة بين العبد وربه بغير حاجة إلى وسائل وسيطة أو خداع حسى أوبصرى وأصبح لعلم "الحيل النافعة" هدف جديد هو التيسير على الإنسان باستعمال آلات متحركة.
وقد ظهر هذا التوجه عند المسلمين الأوائل على أيدى نفر من العلماء الأعلام، لعل أشهرهم أبناء موسى بن شاكر الذين عاشوا فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) وألفوا كتابهم المعروف باسم "حيل بنى موسى" وقد قام دونالد هيل " عز وجل.Hill" بترجمته إلى الإنجليزية كاملا فى عام 1979م، ويحتوى هذا الكتاب على مائة تركيب ميكانيكى مع شروح تفصيلية ورسوم توضيحه لطرائق التركيب والتشغيل، وهو ما يدخل اليوم فى نطاق علم "الهندسة الميكانيكية" المعتمدة على حركة الهواء، أو حركة السوائل والتزامها.
وقد استعملوا نظام الصمامات الآلية ذات التشغيل المتباطىء وعرفوا طريقة التحكم الآلى والتشغيل عن بعد.
كذلك تضمنت ابتكارات المسلمين الأوائل فى علم الحيل النافعة تصميمات متنوعة لساعات وروافع آلية يتم فيها نقل الحركة الخطية إلى حركة دائرية بواسطة نظام يعتمد على التروس المسننة وهو الأساس الذى تقوم عليه جميع المحركات العصرية.
ومن المؤلفات التراثية الرائدة فى هذا المجال كتاب "الجامع بين العلم والعمل النافع فى صناعة الحيل"، لبديع الزمان الرزاز الجزرى الذى عاش فى القرنين السادس والسابع الهجريين (الثانى عشروالثالث عشر الميلاديين).
وقد وصفه مؤرخ العلم المعاصر"جورج سارتون "بأنه أكثرالكتب من نوعه وضوحا ويمكن اعتباره الذروة في هذا النوع من إنجازات المسلمين.
أ. د/أحمد فؤاد باشا