حُنَيْن: واد يقع إلى الشرق من مكة بنحو ثلاثين كيلو مترا، وفيه الآن إحدى ضواحى مكة، تسمى " الشرائع " تبعد عن المسجد الحرام نحو ثمانية وعشرين كيلو مترا.
وقعت هذه الغزوة عقب فتح مكة فى شوال من السنة الثامنة للهجرة (فبراير 630 م)، وقد حشدت لها قبيلتا هوازن وثقيف جندا كثيفا قدر بعشرين ألف مقاتل لحرب المسلمين؛ فلقد كانوا يعتقدون أن المسلمين يريدون قتالهم حينما خرجوا من المدينة لفتح مكة قبل شهر مضى. فاستعدوا بهذا الجيش الضخم للقضاء على المسلمين ودولتهم. وكان قائدهم يومئذ مالك بن عوف النصرى، وهو شاب شجاع جريء، لكنه قليل الخبرة ناقص التجربة، فأمر رجاله بأن يصحبوا معهم نساءهم وذريتهم وأموالهم حتى لا يفروا أمام العدو!!
وعلى الرغم من أن أحد شيوخ هوازن- وهو دريد بن الصمة- قد نقد هذا الأمر وفنده، فإن مالكا لم يغير خطته التى تتمثل فى تقدم الخيل (الفرسان)، ثم الرجالة (المشاة) ويليهم النساء والذرية ثم الأغنام فالإبل، وبعد أن تلقى النبى (صلى الله عليه وسلم) تقريرا عن هذا الجيش، استعد لهذا اللقاء، فاستعار أسلحة من بعض المكيين، كما اقترض أموالا من آخرين، ثم زحف نحو حنين على رأس جيش كبير يبلغ اثنى عشر ألف جندى، عشرة آلاف فتح بهم مكة، وألفان من مسلمة الفتح من قريش.
لقد كان هذا أكبر جيش إسلامى حتى ذلك الوقت، ولهذا غلب شعور بالاطمئنان إلى النصر لدى بعض الجند لكثرتهم، فعاتبهم القرآن الكريم، ونبههم إلى حقيقة أن النصر من عند الله وحده، وإلا وكلهم الله لأنفسهم، قال تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين} (التوبة 25).
كانت هوزان وثقيف قد سبقوا المسلمين إلى وادى حنين، فأخذوا مواقعهم فى الطرق والمداخل والشعاب وكمنوا فيها، وأصدر قائدهم أوامره بأن يرشقوا المسلمين بالسهام عند دخولهم الوادى، ثم يشدوا عليهم شدة رجل واحد، وهيأ رسول الله الجيش قبيل الفجر، ورتب الرجال صفوفا منتظمة، ثم دخل بهم الوادى المنحدر، فاستقبلوا عدوهم الذى تقهقر أمامهم، وترك بعض الغنائم، فأخذ المسلمون فى جمعها وشغلوا بها، فانقض عليهم العدو بسهامه يقذفهم من كل جانب، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فولوا مدبرين لا يبالون بشىء، وثبت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعه قلة من أصحابه، وأخذ ينادى الرجال: هلموا إلىّ أيها الناس، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله، أنا النبى لا كذب، أنا ابن عبد المطلب!!
وأمر النبى (صلى الله عليه وسلم) عمه العباس- وكان من الذين ثبتوا معه- أن ينادى المسلمين بصوته الجهورى، فأسرعوا إليه عائدين وهم يهتفون (لبيك، لبيك)، ودارت المعركة قوية ضد هوازن وثقيف، ونزل رسول الله عن بغلته (دلدل)، وتقدم أصحابه وهو يقول " الآن حمى الوطيس،، ثم تناول حفنة من التراب وقذف بها فى وجوه الأعداء وقال: "شاهت الوجوه" فأصابت عيونهم جميعا، فولوا مدبرين، فقال النبى: " انهزموا ورب الكعبة "!! وتبعهم المسلمون يقتلون من يدركونه منهم، حتى سقط المئات منهم يومئذ، وقد نهى رسول الله عن قتل النساء والأطفال والأجراء، وكل من لا يحمل السلاح. لقد غنم المسلمون فى هذه المعركة أموالا لم يدركوا مثلها من قبل؛ فبلغ السبى من النساء والذرية ستة آلاف نفس، والأموال أربعة آلاف أوقية فضة، ومن الإبل نحو أربعة وعشرين ألفا، أما الغنم فكانت أربعين ألف رأس.
ومما لا شك فيه أن انهزام المشركين وانتصار المسلمين عليهم يوم حنين على هذه الصورة كان معجزة أجراها الله عز وجل على يد نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، وفى ضوء ذلك يفهم قول الله تعالى: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا} (التوبة 26) 0
أ. د/ محمد جبر أبو سعدة