39 - الحُلْم

الحُلْم: الرؤيا، والجمع: أحلام يقال: حلم يحلم: إذا رأى فى نومه رؤيا، والحلم: ما يراه النائم فى نومه من الأشياء، ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشئ الحسن، وغلب الحلم على ما يراهن من الشر والقبح، ومنه قوله تعالى: {أضغاث أحلام} يوسف:44، فى حديث: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) رواه البخارى، وفى الاستعمال: يعبر كل منهما عن الآخر.

بدأ الانسان حياته على الأرض وهو يحلم، وما زال يحلم حتى الآن. وفى سجل الحضارات بيان لأهمية الأحلام فى حياة الإنسان، وخاصة احلام ملوكهم من حيث إنها منذرة أو مبشرة بأحداث قادمة، مما الجأ الملوك إلى البحث عن مفسرين لأحلامهم عرفوا باسم: (رجال المعرفة فى مكتبة السحر) وقد اكتشفت إحدى اللوحات أمام غرفة فى أحد المعابد مكتوب عليها: (إنى أفسر الأحلام ولدى إذن من الآلهة بأن أقوم بذلك).

ساد الاعتقاد فى المجتمعات القديمة بأن الذى يحدث فى النوم هو أن الروح تترك الجسد وتهيم فى مكان آخر، أو أنها تواجه الآلهة. ويرى أفلاطون أن الأحلام تمثل تحرر الروح من قيود الجسد، لتعبرعن مكامن خفية فى حياتنا والتى لا تعيها فى أنفسنا، إذ يقول: "فالنوم .... ، فإن الوحش الهائج فى داخلنا، والذى أشبع اللحم والشراب، فإنه ينتصب، وينفض عنه النوم، ويسعى فى طلب ذلك الذى يرضى غرائزه ... " وبهذا القول يتضح أن أفلاطون رأى فى الأحلام تعبيرا عن قوى وحاجات غريزية تكمن فى الفرد ذاته، ولا تأتى إليه من خارجه، مخالفا بذلك ما قالت به النظرية التاريخية من أن الأحلام هى رسائل يستلمها الحالم، وبدون فعل آخر منه يتجاوز هذا الاستلام. وهذا ما ذهب إليه "فرويد" فى العصر الحديث من أن الأحلام تعبر عن مكنونات خفية عن الوعى، أو أنها فى معظمها تعود إلى ذكريات بعيدة فى الطفولة أو الحداثة. وقد عارضه بعض الباحثين مثل: "ازرنسكى"، و "كلايتمان" اللذين كانت أبحاثهما بداية اكتشاف للمنظور العلمى الحديث للأحلام، الذى يربط بين ظاهرة الأحلام ونشاطات بيولوجية وفسيولوجية واسعة فى الدماغ والجسم.

وبهذا يتبين أن المنظور السيكولوجى الذى طوره "فرويد" ليس بالمنظور الوحيد -أو حتى الصحيح- فى مجمله فى تفسيرظاهرة الأحلام.

اعتقد العرب أن الأحلام هى من فعل القوى الخارقة والتى شملت الآلهة، كما شملت الشياطين والأرواح الشريرة، فاهتموا بها وأقبلوا على تفسيرها، وعمق هذا الاهتمام لديهم ما ورد فى القرآن الكريم عن الرؤى والأحلام، فقد جاء الحديث عن الرؤيا فى أربع سور: (يوسف، والإسراء، والصافات، والفتح).

ففى سورة يوسف:

1 - إخبار يوسف لأبيه بأنه رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له.

2 - سؤال صاحبى السجن عن تفسير ما رأياه فى منامهما بأن أحدهما رأى أنه يعصر خمرا، والآخر يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه، ففسر لهما هذه الرؤيا بقوله: {ياصاحبى السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه} يوسف:41.

3 - سؤال الملك ليوسف عن تفسير ما رآه فى منامه، من أن سبع بقرات سمان يأكلن سبع عجاف، وكان الجواب: { ... تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلا مما تأكلون. ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون. ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} يوسف:47 - 49.

وقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس ... } الإسراء:60، فقد روى الرازى فى تفسيره للرؤيا فى هذه الآية أربعة أقوال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى فى منامه:

1 - دخوله مع المسلمين مكه.

2 - مصارع كفار قريش فى غروة.

3 - ارتقاء بنى أمية منبره.

4 - ما أراه الله فى ليلة الإسراء على اعتبار أنه لا فرق بين الرؤية والرؤيا فى اللغة.

وفى قوله تعالى: {قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين} الصافات:105، خطابا لإبراهيم حين أطاع الله، فهم بتنفيذ ما أراه الله فى منامه: {فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى ... } الصافات:102.

وفى قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين} الفتح:27، فهذه الآية تخبر بأن الله كان قد أرى محمد صلى الله عليه وسلم فى منامه أنهم سيدخلون مكة.

أما الحلم، فلم يرد فى القرآن الكريم -فى مجال التعبير عما يراه المرء فى منامه إلا بصيغة الجمع وصفا لما يراه المرء فى نومه من الشر والقبح، {قالوا أضغاث أحلام ... } يوسف:44، فالضغت من الخبروالأمر: ما كان مختلطا لا حقيقة له، ومنه قيل للأحلام الملتبسة: أضغاث، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان).

تعتبر رؤيا الأنبياء بمثابة الوحى إليهم، فقد أخبرنا القرآن الكريم عما رآه إبراهيم فى منامه بأن يذبح ولده، فهم بذبحه لأنه اعتبر هذه الرؤيا وحيا من الله واجب التنفيذ، كما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رؤيا الأنبياء وحى) (رواه البخارى).

وعنه أيضا: (الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة). (رواه البخارى).

اهتم الباحثون فى المجتمع الإسلامى بالرؤيا، واشتهر منهم محمد بن سيرين (المتوفى 108هـ-728 م) الذى ألف عددا من الكتب فى تفسير الأحلام والرؤى، وكثر المعبرون للرؤى بعد ابن سيرين، تحدث عنهم عبد الغنى بن اسماعيل، الملقب بابن النابلسى فى كتابه: (طبقات المعبرين) الذى تضمن الإشارة إلى أكثر من سبعة آلاف مفسر للأحلام.

الحلم، والاحتلام: الجماع ونحوه فى النوم، الاسم: الحلم، ففى القرآن الكريم: {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} النور:58، أى لم يصلوا من الصبيان إلى حد البلوغ. وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يأخذ من كل حالم دينارا، يعنى الجزية.

قال أبو الهيثم: أراد بالحالم كل من بلغ الحلم، وجرى عليه حكم الرجال، احتلم أم لم يحتلم.

الحلم بكسر الحاء: الأناة والعقل، وجمعه: أحلام، فى القرآن الكريم: {أم تأمرمم أحلامهم بهذا} الطور:32.

أى تأمرهم عقولهم بما كانوا يقولون؟ وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجماعة: (ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى) رواه ابن ماجه، أى ذوو الألباب والعقول.

والحليم فى صفة الله عز وجل معناه: الصبور، أى أنه الذى لا يستخفه عصيان العصاة، ولا يستفزه الغضب عليهم.

أ. د/محمد شامة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015