28 - الحِسْبة

لغة: اسم من الاحتساب، ويقال: فلان حسن الحسبة حسن التدبير، واحتسب عليه: أنكر، واحتسب بكذا أجرا عند الله: اعتده ينوى به وجه الله.

واصطلاحا: وظيفة دينية أساسها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، استلهاما لقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل عمران 104) ولذلك فإن كثيرا من المؤرخين والفقهاء يرجعون نشأة الحسبة إلى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعهد الخلفاء الراشدين، إذ كانت حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ملأى بنهيه عن المنكرات وأمره بالمعروف، فقد روى عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال "ما هذا يا صاحب الطعام؟ " فقال: أصابته السماء يا رسول الله. قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس " ثم قال (صلى الله عليه وسلم) " من غش فليس منى " (رواه مسلم) (1)

وقال (صلى الله عليه وسلم) "إياكم والجلوس على الطرقات " قالوا: مالنا بد، وإنما هى مجالسنا نتحدث فيها. قال "فان أبيتم إلا ذاك فأعطوا الطريق حقه " قالوا: وما حق الطريق؟ قال "غض البصر ورد السلام وأمر بمعروف ونهى عن منكر " (رواه البخارى) (2)

ومما يذكر أيضا أن الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أثناء خلافته ولى الحسبة على سوق من أسواق المدينة لامرأة تسمى "أم الشفاء". ولذا فهناك من المؤرخين من يجعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو أول محتسب فى الخلافة الإسلامية، قال هذا القلقشندى، وأكده حاجى خليفة.

ولا شك أن القرآن والسنة وإن كانا يعدان من المصادر الأولى لخطة الحسبة إلا أنه ينبغى لنا أن نفرق بين أعمال الحسبة ومظاهرها كاتباع لنص قرآنى واقتداء لسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وذلك فى عموم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وبين الحسبة كوظيفة إدارية لها وضعها المحدد فى الهيكل الإدارى للدولة، حيث لم تعرف هذه الوظيفة الإدارية فى لقبها الاصطلاحى ولقب القائم عليها "المحتسب " إلا منذ أواخر العصر الأموى فى عهد الخليفة هشام بن عبد الملك (105 - 125 هـ/724 م) وأصبحت ذات شأن كبير فى الولايات الإسلامية بعد ذلك فى مطلع القرن الرابع الهجرى.

غير أن هناك من المستشرقين من يعود بنظام الحسبة إلى أصل بيزنطى يقول المستشرق ديمو مبين عز وجلصلى الله عليه وسلمMOMرضي الله عنهYNصلى الله عليه وسلمS: وإنه ليس ثمة شك فى أن الحسبة اقتبست من البيزنطيين ثم صبغها المسلمون بالصبغة الإسلامية، فقد ورث المحتسب تلك الوظيفة الرسمية بصورة غير مباشرة عن ندّه البيزنطى" (3) ويتابعه فى ذلك الأستاذ الدكتور السيد الباز العرينى حيث يرى أن المسلمين قد فتحوا أقاليم الدولتين البيزنطية والفارسية ووجدوا فيها أنواعا من المدنيات والنظم المختلفة كما وجدوا طبقة مدربة من الموظفين اعتادت العمل فى حكومة الأقاليم فاتخذوها أداة لحكمهم الجديد (4).

إلا أن مستشرقا آخر هو الأستاذ جرونياوم Gmunebeaum يقول: إن قضاء الحسبة محاولة لوضع نظام تنفيذى لتلك النصيحة التى أمر بها القرآن للمؤمنين كافة (5) {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (آل عمران 104)

ومهما يكن من أمر فإن تاريخ الفتوحات الإسلامية يبرهن على أنه لم يكن هناك وجود لوظيفة الحسبة فى مصر والشام اللتين كانتا خاضعتين للدولة البيزنطية حيث فتح المسلمون هذه البلاد، ولو كان المسلمون اقتبسوا هذه الوظيفة من الروم لأبقوها فى الشام ومصر حين الفتح كما ابقوا سائر الوظائف الإدارية التى لا تتعارض مع الإسلام مما يدلل على أنها وظيفة وجدت طريقها للكيان الإدارى للدولة انطلاقا من تعاليم الإسلام الحنيف ومبادئه التى شملت كافة مناحى الحياة.

ولقد تعدّت الحسبة أصولها المثالية الدينية وهى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى واجبات عملية تتفق والمصالح العامة للمسلمين وتمت هذه الوظيفة بنمو المجتمع الإسلامى وتطور نظمه الاقتصادية وأوضاعه الاجتماعية واتساع رقعته.

والى الحسبة: وهو الناظر فى شئون الحسبة فى الدولة الإسلامية وهو موظف يعّينه الخليفة أو الوزير أو القاضى للنظر فى شئون الرعية وكل ما يهمهم فى أسواقهم ومجتمعاتهم ومعاملاتهم ويعين من يراه أهلا لذلك من الأعوان والأنصار ويعاقب على المنكرات التى يفعلها الناس بحسب أهميتها ومقدارها.

وكان لاختيار المحتسب شروط منها:

1 - الإيمان 2 - التكليف من أولى الأمر

3 - القدرة. 4 - أن يكون ذا رأى وصرامة وعلم، 5 - العدالة 6 - المعرفة بأحوال المجتمع وأصناف المعايش والمهن وله بها خبرة. إضافة إلى مجموعة من الآداب التى ينبغى أن يكون متحليا بها مثل العفة والقدرة فيما يأمر أو ينهى والحلم والصبر.

وقد اعتبر ابن خلدون الحسبة من أهم الوظائف الدينية وجعل ترتيبها الخامسة بين هذه الوظائف بعد الصلاة والفتيا والقضاء والجهاد.

وينقسم أعوان المحتسب إلى فريقين:

1 - فريق يقوم بأعمال الضبطية وأعمال الإشراف والتفتيش.

2 - فريق يقوم بتتفيذ الجزاءات التى يوقعها المحتسب.

وكانت اوجه نشاطه تتعلق بالعديد من المجالات كالمجال الدينى الاقتصادى والاجتماعى والصحى.

ففى مصر كان المحتسب ينادى الناس للاجتماع لصلاة الجمعة ويراقبهم عند أوقات الآذان فى الأسواق وكان يشرف على الجوامع والمساجد ويأمر بكنسها وتنظيفها وكان يختار إمام المسجد والمؤذن ويراعى التزامهما بشروطهما، وكان يشرف على أهل الذمة وضرورة إلزامهم بتنفيذ الشروط التى ينسب إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه ألزم أهل الذمة باتباعها.

كما كان يشرف على الحمامات وعلى أصحاب الحرف والمهن ويوقف مضايقة الجمهور ويزيل كل ما يعوق المرور ويحكم فيما يظهر من نزاع بين أهل الصناعة الواحدة. كما كان يراقب المرأة وما ينبغى لها أن تكون وما يحرم عليها فعله كأن يمنعهن من الجلوس على أبواب بيوتهن فى طرقات الرجال، أو العوائد القبيحة التى يتبعنها فى الجنائز والمآتم وسلوكهن وسيرهن فى الطرقات.

إضافة إلى تعهد النواحى الصحية عند أصحاب المهن والحرف والصيادلة والعطارين 000 إلخ

علاقة الحسبة بالقضاء والمظالم والشرطة:

تتميز الحسبة بسرعة الفصل فى الأمر حال وقوعه وإثباته وكانت تقتصر على ميادين خاصة لأن المحتسب لا يتصدى لدعوى العقود والمعاملات وليس من شأنه أن يحكم فيما يدخله الإنكار بحيث يحتاج فى الإتيان إلى بينة أو يمين وهو مجال القضاء0

وكانت المظالم للنظر فيما عجز عنه القضاة والمحتسب فى حين لم تكن الشرطة عامة التنفيذ فى طبقات الناس وإنما كان حكمهم على الدهماء وأهل الريب والضرب على أيدى الرعاع والفجرة.

وهكذا لم تكن الحسبة منعزلة عن القضاء والمظالم والشرطة وإنما كانوا معا يمثلون دعامة قوية للعدالة.

(هيئة التحرير)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015