لغة: المتواتر مأخوذ من واتر، بمعنى: تابع، تقول: تواترت الأشياء: تتابعت، وجاء بعضها فى إثر بعض، فهو تتابع متدارك بغير فصل.
ورأى الجوهرى أن المواترة بين الأشياء لا تكون إلا إذا وقعت بينها فترة وانقطاع (1)، ومنه قوله تعالى {ثم أرسلنا رسلنا تترا} (المؤمنون 44)، والمعنى: رسولا بعد رسول، ولا شك أن بين كل رسول وآخر فترة من الزمن .. ولكن المعنى الأول هو المراد من التواتر، وما قصده الجوهرى فهو من المواترة.
واصطلاحا: هو خبر عن محسوس، أخبر به جماعة بلغوا فى الكثرة مبلغا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب فيه.
وعرفه ابن الصلاح بأنه: خبر ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة، ولا بد فى إسناده من استمرار هذا الشرط فى رواته من أوله إلى منتهاه. (2)
.. وبناء على التعريف السابق نرى شروط المتواتر تتمثل فى:
(أ) أن يكون الخبر مستندا إلى مشاهدة حسية- أى بإحدى الحواس الخمسة- كأن يقول الراوى: سمعت كذا .. أو رأيت كذا .. إلخ (ب) أن يكون عدد المخبرين به بلغ فى الكثرة مبلغا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب فيه ... ولابد من استواء طرفى السند والواسطة فى كمال العدد، ونعنى بهذا أن تكون الطبقة التى شاهدت المخبر عنه قوما كثرا، وهم الصحابة الذين شاهدوا أو عاصروا رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
والطرف الثانى وهم الطبقة التى نقلت إلينا هذا الخبر، وأعلمتنا به، وهم الأئمة والعلماء الذين دونوا أو رووا هذا الخبر .. والواسطة ما كان بينهما من طبقات المخبرين ..
وبالنسبة للعدد: لم يتفق العلماء على مقدار معين فيه.
والصواب أن الضابط فى حصول عدد المتواتر هو حصول العلم بالخبر.
أما عن وجود المتواتر فى السنة فقد رأى ابن الصلاح، والنووى أن المتواتر نادر جدا فى السنة، بل زعم البعض عدم وجود المتواتر فى السنة، وفى هذين الاتجاهين إجحاف للسنة، وإعطاء الفرصة للطاعنين فيها.
والأصح أن المتواتر موجود فى السنة كثيرا، بدليل أن هذه المصنفات الحديثية الموجودة بين أيدى أهل العلم منذ أكثر من ألف سنة، وصح نسبتها إلى أصحابها، إذا اتفقت على إخراج حديث ما، وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، أفاد العلم اليقينى، وهذا النوع فى تلك الكتب كثير.
والمتواتر .. ينقسم إلى قسمين:
أ) لفظى، وهو ما اتفق الرواة فيه على لفظ واحد. مثل حديث "من كذب على متعمدا ... " الحديث، رواه نحو المائتين.
ب) المعنوى، ما تختلف فيه ألفاظ الرواة، ويتفقون على قد ر مشترك، وذلك بأن يروى قسم منهم واقعة، وقسم آخر واقعة أخرى، ولكنهم يلتقون على قدر مشترك، وهو الذى يسمى المتواتر المعنوى، أو المتواتر من جهة المعنى. مثاله: أحاديث رفع اليدين فى الدعاء، فقد روى عنه (صلى الله عليه وسلم) نحو مائة حديث فيها أنه رفع يديه فى الدعاء، لكنها فى وقائع ومناسبات مختلفة، كل واقعة منها لم يتوافر فيها شرط التواتر، واعتبر فيها القدرالمشترك، وهو الرفع عند الدعاء، تواترا باعتبار المجموع.
ولقد جمع العلماء الأحاديث التى توافر فيها شرط التواتر، سواء كان لفظيا أم معنويا، ومن أشهر تلك الكتب:
1 - كتاب الفوائد المتكاثرة فى الأخبار المتواترة للسيوطى ت سنة 911 هـ.
2 - الأزهار المتناثرة فى الأخبار المتواترة للسيوطى أيضا، اختصر السابق.
3 - نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتانى.
أ. د/ مصطفى محمد أبو عمارة