لغة: يقال (حدث) الشيء- حدوثا وحداثة: نقيض قدُم، وإذا ذكر مع قدُم ضُمّ للمزاوجة كقولهم: أخذه ما قدمُ وما حدُث، يعنى همومه وأفكاره القديمة والحديثة. وحدث الأمر حدوثا: وقع، وأحدث الرجل: وقع ما ينقض طهارته. وحدوث الشىء ابتداعه. (1) وفى التنزيل العزيز {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} (الطلاق 1). واصطلاحا: الحادث ما يكون مسبوقا بالعدم، فهو كائن بعد أن لم يكن، ويختلف عن الممكن الذى لا وجود له ولا عدم من ذاته، فإن وجد صار حادثا ولا بد له من موجد يوجده، ويسمى "المحدث " أيضا ويقابل القديم. (2)
لقد قرر القرآن حقائق كثيرة تتعلق بالكون أهمها أنه حادث مخلوق، وكل ما فيه من الكائنات له بداية ونهاية، وليس ثمة موجود أزلى أبدى إلا الله {الخالق البارئ المصور} (الحشر 24) {بديع السموات والأرض} (البقرة 117)، و {هو الأول والآخر} (الحديد 3)، وإليه ترجع الموجودات كلها من حيث هو علتها الأولى، لقوله تعالى {وأن إلى ربك المنتهى} (النجم 42) والمتصفح للقرآن يرى أنه يقرر فى وضوح لا لبس فيه الثنائية بين الله والعالم. (3)
والواقع أن هناك صلة بين مصطلح الحدوث والخلق فى الفكر الإسلامى فعلماء الكلام يقولون بالخلق أى الحدوث من عدم، ولقد ذهب الغزالى فى كتابه " تهافت الفلاسفة" إلى حد تكفير الفلاسفة لقولهم بقدم العالم (يقصد الفارابى وابن سينا).
فى الوقت الذى نجد فيه ابن رشد يدافع عن كون العالم قديما ولا يعنى أنه لا علة له. بل العكس يؤكد على خلق العالم فى القدم (4). وعموما مفهوم "الخلق " عند ابن رشد لم يكن بمعنى الإبداع أى بمعنى الخلق من عدم إنما كان بمعنى الإيجاد والتكوين، إن العالم عنده فى إيجاد مستمر منذ الأزل، ولكنه لم يبتدع من العدم دفعة واحدة. (5)
ومسألة الحدوث فى مقابل القدم وعلاقتها بخلق العالم من المشكلات العويصة، وفى هذا الصدد يذهب الشيخ محمد عبده إلى القول بحدوث العالم، لكن ليس معنى هذا أن القائلين بالقدم قد كفروا بمذهبهم هذا، وأنكروا به ضروبا من الدين القويم وعلى هذا يؤكد الشيخ بأن كل من اعتقد بالألوهية التامة، ونزه الحق عن جميع النقائص، واعتقد بنبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وبما جاء به، ولم يكذب شيئا مما نقل عنه، مع علمه بأنه نقل عنه فهو مؤمن ناج، عدل رضى الله عنه {لا يكلف الله نفسا إلا سعها} (البقرة 286) 0 (6)
أ. د/ جمال رجب سيدبى