اثنان وعشرون: الملكية في المذاهب الوضعية

وفيه أمران:

الأمر الأول: الملكية في الرأسمالية أما الملكية في الرأسمالية فهي مربوطة بالوصول إلى الأرباح قبل أي اعتبار، يقول محمود الخطيب: "يعتبر أنصار الرأسمالية جهاز الثمن هو المحرك الفعال القادر على حل كل ما يتعلق بالمشكلة الاقتصادية" (?).والرأسمالية كما سبق نسبة إلى رأس المال، ويراد بها منح الشخص كامل الحرية في جمع المال وفي إنفاقه بأي طريقة يكون جمعه أو إنفاقه سواء عن طريق الغش، أو الاحتكار، أو الربا، أو التحايل، ولا قيمة للرحمة والعاطفة الإنسانية أو المثل العليا أو الأخلاق في سبيل الحصول على المال و"كل هذا يؤدي إلى ظلم الأمة ويقوي معول هدمها بيدها لأن الأخلاق زالت والجانب الروحي معدوم مندثر فلم يبق إلا الركض وراء المصلحة الجشعة فأصبح الرأسمالي شرها متكالبا على المال" (?)، فالرأسمالي لا يهمه أن يموت المجتمع جوعا في الوقت الذي يرفع قيمة ما في يده إلى الأضعاف المضاعفة. فينظر المجتمع إليه وهو في غاية الشره نظرة حقد وكراهية، وهو ينظر إليهم أنهم حاسدين له يتمنون زوال ماله فينشأ عن ذلك إشاعة العداوة والبغضاء وانتزاع الرحمة من قلوب تلك المجتمعات الرأسمالية التي لا هم لها إلا عبادة المال وجمعه حسب التنافس في الإنتاج وفي الأسواق بحيث يهدف الرأسمالي إلى التحكم لو استطاع في الأسواق الاقتصادية وإبعاد أي مشروع يرى أنه سينافسه ثم طلب الربح بأي وسيلة مهما كانت ظالمة أو معيبة لا يهمه إلا الحصول على المال، وحال المجتمعات الرأسمالية أقوى شاهد.

وفي المجتمعات الرأسمالية حرب على الفقر لكنها لا ترحم الفقير بل تحمله مسؤولية فقره وتنظر إليه بازدراء لأنه لم يحتل لنفسه للخروج من الفقر حيث يتهم بعدم الذكاء أو عدم الجد في العمل أو غير ذلك من الأسباب التي لا تشعر بالرحمة تجاهه ولقد عانى المجتمع الرأسمالي من هذه النظرة في بداية تكون المذهب الرأسمالي الأمرين واضطر كل فرد صغير أو كبير، ذكر أو أنثى إلى العمل بأي طريق كان للحصول على ما يسد رمقه وإلا انسحق دون أي صوت يلفت النظر إلى حاله والحكومة لا تتدخل لا في الانتاج ولا في التوزيع بل كان الحبل على الغارب، إلا أنه – وبعد فترة – شعر المجتمع الرأسمالي تحت الضغط والعنف والمواجهات الدامية بأن هذا الوضع البغيض لا رحمة فيه وأنه إنما نشأ عن ما يشعر به أغلبية المجتمع من الإحباط وعدم المبالاة بهم وجعلهم فريسة الهموم على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم فتطور الفكر الأوروبي إلى تعديل الحال والنظر بعين الجد إلى القضاء على هذا الشعور وبدأوا في تقنين الأنظمة التي تطوروا فيها إلى أن عرفوا ما يشبه نظام التكافل الاجتماعي الذي دعا إليه الإسلام منذ نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرض الزكاة التي يأخذ فيها العاجز ما يسد حاجته من بيت مال المسلمين دون أن يطالب بمقابل في ذلك، بينما نظام الغرب رغم ما يدعون له من التطور لازال متخلفا عن الوصول إلى نظام الإسلام في ذلك إذ لا يعطي الشخص فيه في حال عجزه إلا حسب نسبة ما كان يدفعه من الضرائب في حال صحته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015