ثانيا: أسباب نشأة هذا الاتجاه وانتشاره نشأت الرمزية في القرن الميلادي التاسع عشر وفي منتصفه تقريبا إذ تجمعت عدة عوامل ساعدت على نشأة هذا الاتجاه وازدهاره في فرنسا على يد جماعة من النقاد والشعراء والفلاسفة أمثال شارل بودلير ورامبو وفيرلين ومالاراميه، وغيرهم. (?).
أولا: العامل العقدي وهو الشعور الحاد بالفراغ الروحي الذي يعيشه الإنسان الأوروبي لا سيما مع الصدمة التي أصيب بها نتيجة إخفاق العلوم التجريبية في سد فراغه الروحي وتطلعه الفكري وإخفاق النظريات الفلسفية التي جعلت الإنسان كائنا عضويا تسيره غرائزه ومادياته وقطعت صلته بالله تعالى وعزلته عن الدين الحق الذي هو السبيل الوحيد للسعادة والاطمئنان. (?).
ثانيا: العامل الاجتماعي فرواد الرمزية وغيرهم من الفلاسفة ونحوهم عاشوا في تناقضات اجتماعية كبيرة مما جعلهم ينفرون من أنظمتها وقوانينها وتقاليدها التي ربما حرمتهم من بعض شهواتهم وملذاتهم فاتهموها بمحاربة الحرية فمارسوا أنواع الشذوذ الجنسي والفكري والأخلاقي حتى لقبوا بالمنحطين ومن ثم اشتهرت فلسفتهم (الانحطاطية) والتي هي اتجاه فلسفي سياسي له طابع ثوري يتضمن إنكار جميع القيم السائدة ثم أطلق جوتيه هذه التسمية على الروح السائدة في ديوان أزهار الشر لبودلير وعلى المتأثرين به لخروجهم على القيم والأخلاق والأعراف الفكرية والفنية. (?).
ثالثا: العامل الفني وهو "البحث عن أسلوب جديد في التعبير فقد كره رواد الرمزية التعبير المباشر الواضح ونفروا من أساليب الواقعيين والبرناسيين وادعوا أنها تعجز عن نقل إحساساتهم وأن اللغة ذاتها عاجزة عن نقل التجربة الشعورية العميقة لذلك ينبغي إيجاد أسلوب يوحي بهذه التجربة وينقل أثرها إلى القارئ" (?).
¤الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 629