ولقد كانت هذه الحروب هي المعول الهدام لحضارة المسلمين، واشتغالهم بها – ولا زالت – إلا أنها وبعد أن عرف النصارى كيف يدخلون على المسلمين بطريقة ماكرة تحولت هذه الحروب من المواجهات المسلحة والجيوش النظامية إلى حرب لا تقل شراسة عن المعارك النظامية، إلا أنها لا تثير ضجيجا ولا تكلف أموالا ولا تهدر سلاحا، بل تسري في النفوس سريان النوم، فكم لها من ضحايا رزءتهم في دينهم وحولتهم عنه، بل وأصبحوا أعداء له، فما هذه المعارك؟ إنها معارك فكرية وغزوا فكريا أجادوا التخطيط له، وعرفوا أنه أشد تأثيرا من المواجهة الحربية الفعلية، فاكتفوا به، فإذا بكثير من شباب المسلمين وكبارهم بل وصغارهم ينضمون إلى صفوفهم بكل سهولة عن طريق تأثرهم بالدعايات ونشر الأفكار المضللة عن طريق وسائل الإعلام التي أجادوا الاستفادة منها في التلفزيون وفي الإذاعة وفي المجلة وفي الكتاب وفي المعاملات وفي الفن – كما يسمونه – وفي الرياضة وفي السياحة وفي كل مرفق من مرافق الحياة، فأغرقوا أذهان المسلمين في خضم تيارات جارفة لا عهد لأسلافهم بها، فافتتن الكثير من المسلمين بهم وبحضارتهم وبكل ما عندهم من زخرف الحياة الدنيا وزينتها، وابتلي العالم الإسلامي كله ربما ابتلاء قد لا يقل عن ابتلائهم بالدجال.
ولا أعتقد أن القارئ يخفى عليه مدى تغلغل الأفكار النصرانية حتى في وسط الأطفال، وقد لا يخفى عليك الكثير من المعلومات عن التنصير وخطره ووسائله وانتشاره في ديار المسلمين.
أما الحرب مع التتار
فحديثها ذو شجون، وأهوالها قد تفوق الخيال، كانت نكبة بمعنى الكلمة على العالم الإسلامي، وارجع إذا أردت الوقوف على الفظائع التي جلبتها تلك الحروب المشئومة على المسلمين إلى كتب التاريخ وسترى ما لا يخطر لك على بال، كيف فرقت تلك الحرب المسلمين وجعلتهم أشتاتا لا يلوي بعضهم على بعض، إلى أن رفعها الله تعالى بعد تمحيص يهد الجبال لو أحست به.
وإذا كانت تلك الحرب تذكر في أخبار تفرق المسلمين وتشتتهم فإنها كانت أيضا درسا من الله للمسلمين ليعودوا إلى الوحدة التي أمرهم الله بها، وحينما فطن زعماء الإسلام في ذلك الوقت لحالهم المخزية اجتمعت كلمتهم وتوجهوا إلى الله مخلصين له الدين متضرعين إليه لإنزال نصره عليهم وهزيمة أعدائهم، فاستجاب الله لهم وأنزل عليهم نصره ابتداء بمعركة عين جالوت وما بعدها، وتنفس من بقي حيا من المسلمين الصعداء بعد أن أيقنوا بأنه لا بقاء للإسلام ولا للمسلمين في هذه الأرض إلا بنصر الله والرجوع إليه، والله عز وجل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وأما مؤامرات اليهود
فهي معروفة وواضحة منذ أن بزغ نور الإسلام وهم غاصون بريقهم منه يتحينون كل فرصة للقضاء عليه، ولكن الله يخيب آمالهم ويرد كيدهم إلى نحورهم.
لقد اشتهر اليهود بالجبن وحب الحياة والمؤامرات الخفية التي يجيدون حبكها والاستفادة من وقوع الأحداث وجني ثمرة نتيجتها.
والذي يبدو من تاريخهم أنهم لم يخوضوا المعارك مع المخالفين لهم وجها لوجه مثلما فعل النصارى في حروبهم الشهيرة، وذلك للخوف والجبن المضروب عليهم، حيث لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، كما أخبر الله عنهم، ولما جبلوا عليه من الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة، ولما جبلوا عليه من جعل بأسهم بينهم شديدا وقلوبهم شتى.
لقد بدأت مؤامراتهم على النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فكم ألبوا عليه المخالفين له، وكم جمعوا له من جموع باءت كلها بالفشل الذريع، واستمرت إلى يومنا الحاضر، ونسأل الله أن يرد كيدهم إلى نحورهم ويكفي المسلمين شرورهم.