مرت على المسلمين أحداثا ومؤامرات وفتن بعضها تلو البعض الآخر فرقت بينهم وجعلتهم أحزابا بتخطيط بارع من قبل أعدائهم، ولم يعد لقول الله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103] مدلولا خاصا في نفوسهم، أو رادعا قويا عن التفرق والتحزب، واستحكم الهوى في النفوس، وأعجب كل ذي رأي برأيه، واختلفت الولاءات، فبدلا أن تكون الموالاة بين المؤمنين ضد أعدائهم أصبح كل فريق من المسلمين يوالي جهة من أعداء الإسلام، ويستعين بعضهم على بعض بأعداء دينهم، وأصبح بأسهم بينهم شديدا، وقلوبهم شتى، وتمكن أعداؤهم منهم فضربوا بعضهم ببعض وأحكموا بينهم الخلافات، وكانوا هم الحكم بين المسلمين على بعضهم بعضا، وهم الممولون للجميع بالسلاح ليضربوا عصفورين بحجر واحد، يجربون أسلحتهم عليهم ويبيعونها منهم، وهذا الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم من الذل والهوان والتمزق والانكسار أمام أعداء الإسلام ما هو إلا نتيجة للتفكك المقيت الذي حل بالمسلمين نتيجة عدم قبضهم على دينهم بجد وإخلاص، وليس هذا فحسب بل قد ظهر هذا التفكك في جوانب مختلفة في حياة المسلمين، وهي كثيرة يصعب حصرها هنا، من اجتماعية واقتصادية وسياسية، وسنشير فيما يأتي إلى أهم الأسباب التي تظهر أنها مؤثرة جدا على مجرى الحياة العامة بين المسلمين.
أما بالنسبة للضعف العام في المسلمين:
فإنه أمر مشاهد لا يحتاج إلى عبقري يبينه، والأدلة على ذلك تتوارد من كل جانب، ذلك أن المسلمين كلمتهم غير مسموعة، وآراؤهم غير منفذة، وأعداؤهم قائمون على رؤوسهم، وأصبحوا لا يملكون إلا الشكوى للأمم المتحدة – اليهودية المنشأ والهدف – ولراعيي السلام، وللدول الأوروبية .. الخ.
وقد قيل إن من أكبر المصائب على الشخص ألا يجد من يحتكم إليه إلا عدوه. ولك فيما يفعله اليهود في فلسطين، وما يفعله الشيوعيون في الشيشان، وفي بورما، وما يفعله الهندوس في كشمير، والهند، وما يفعله النصارى في الفلبين، وإندونيسيا، والبوسنة والهرسك، وبلاد أخرى كثيرة. لك فيها أقوى دليل على ضعف الأمة الإسلامية وتكالب أعدائها عليهم. وحينما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمته بأنه سيتكالب الأعداء عليهم ويتداعون عليها كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قال له الصحابة رضوان الله عليهم: ((أمن قلة بنا يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) (?).
ولك أن تقارن بين مفهوم هذا الحديث وبين ما يتشدق به بعض المسلمين، وأنهم من المحيط إلى الخليج، وقولهم بأننا أمة لن تقهر، وأننا نستطيع ونستطيع .. في جعجعة لا ترى فيها طحنا، وغرور كاذب سواء كان على مستوى الزعماء أو الأفراد.
فلا كثير من زعماء المسلمين فيهم نخوة المعتصم، ولا الأفراد فيهم حماس أسلافهم ولا بأيديهم من أسباب القوة التي يمتلكها أعداء الإسلام في الشرق أوفي الغرب ما يخيفون به أعداءهم، بل ليس له إلا ما جادت به نفوس الأعداء من أسلحة متأخرة وشروط مجحفة كما قال أحد الشعراء:
وعدة الخصم صاروخ وطائرة ... ونحن عدتنا الكبرى قرارات
ومع ذلك نجد الكثير من الزعماء من يشمخ بأنفه إلى عنان السماء ويتحدى الشرق والغرب ويصول ويجول، وهو في مكانه يلهب المشاعر بالخطب الرنانة والتهديدات الجوفاء.