لقد كان أساس دخول الحضارة الغربية إلى البلاد الإسلامية وانتشار أفكارها المختلفة هو شعور حكام المسلمين بتفوق الغرب عليهم في شتى المجالات التنظيمية والاقتصادية وخصوصا ما يتعلق بالنواحي العسكرية والنظم التي تسير بها الجيوش والحاجة إلى السلاح الذي كان بيد الغرب حينما صنعه الغرب النصراني والمسلمون في سبات عميق ومن هنا برز الشعور القوي لدى هؤلاء الحكام بضرورة مد اليد إلى الغرب لشراء الأسلحة التي تزخر بها المصانع الغربية وتم ذلك فنشأت حاجة أخرى وهي طلب من يقوم بالتدريب عليها وكذلك طلب من يقوم بصيانتها ولا بديل عن الغرب الأوربي في ذلك بطبيعة الحال فاستقدموا المدربين والمهندسين والمستشارين من شتى دول الغرب ثم برزت حاجة أخرى وهي توفير الكتب والمدرسين والمدارس للنشء الجديد في الدول الإسلامية الذين أريد منهم أن يكونوا دائما عدة للجهاد وتم ذلك ولكن لا يخفى عليك أخي القارئ من هم الذين سيقومون بتلك المهام كلها للنشء الجديد فالدول الإسلامية في بداية الصحوة من نومها ولا تملك شيئا من ذلك فكان آخر الأمر أن ارتموا أمام خبراء الغرب الذين أتوا بكل ما أمكنهم لتغريب العالم الإسلامي – وفي أولهم الجيوش – ومن هنا بدأت عجلة التغريب تعمل في العالم الإسلامي وبدأ الكثير من حكام المسلمين يتبعون سنن الغربيين في كل شيء بدؤوا ينظرون إلى التعاليم الإسلامية وإلى القيم الإسلامية نظرة ضعيفة فيها نوع من تفضيل للحياة الغربية عليها وكانت تركيا هي المثال القوي المخزي على هذا السلوك في آخر الدولة العثمانية إلى أن تسلمها العلماني الملحد مصطفى كمال أتاتورك الذي سلخها من كل شيء يمت إلى الإسلام بصلة – كما هو معروف من تاريخه الشنيع – ثم ابتعث كثير من المسلمين أبناءهم للدراسة في الدول الغربية ليتعلموا شتى الفنون التي كانت تنقصهم كضرورة ملحة جديدة ولكن بعد أن رجع هؤلاء إلى بلدانهم لم يقف في وجوههم أي حاجز لرفع علم الحضارة الغربية في بلدانهم والمناداة ليلا ونهارا وسرا وإعلانا بالانضمام التام إلى الحياة الغربية واللحاق بركبها الذي كانوا يرونه سفينة النجاة ومصدر فخرهم وإعجابهم، وبدأ هؤلاء ينفخون في أذهان المسلمين المبادئ الغربية والعادات الاجتماعية عندهم – متخذين من بعض القضايا ذريعة – لتوصيل الحضارة الغربية إلى الأذهان، مثل زعمهم أن حجاب المرأة ظلم لها وأن المسلمين ينقصهم الدعوة إلى الحريات، حرية الكلمة، وحرية العقيدة، والدعوة إلى منع الطلاق وتعدد الزوجات ووجوب تعليم المرأة ومشاركتها الرجل جنبا إلى جنب في ميادين العمل وكذا الدعوة إلى العودة إلى الحضارات القديمة التي كانت قائمة قبل الإسلام وإلى السلوك الإسلامي – وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي نفذوا من خلالها إلى إنقاد التعاليم الإسلامية في مكر وخديعة وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]