الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل.
وهذه القواعد مهمة في الفقه، عطيمة النفع، بقدر الإحاطة بها يعظم قدرُ الفقيه ويَشْرُف، ويظهر رونق الفقه ويُعْرَف، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف، فيها تنافس العلماء، وتفاضل الفضلاء، وبرَّز القارح على الجذع (?)، وحاز قصب السبق مَن فيها برع.
ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية، دون القواعد الكلية، تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نَفْسُه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها.
ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات، لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب، وحصل طلبته في أقرب الأزمان، وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان.
فبين المقامين شأو بعيد، وبين المنزلتين تفاوت شديد (?).