أما بعد ..
فإن علم القواعد الفقهية من أعظم علوم الشريعة وأهمها للفقيه والمفتي والقاضي والحاكم، إذ به تتدرب النفوس في مآخذ الظنون ومدارك الأحكام. فمن استوعب القواعد وأحاط بها فقد استوعب وأحاط بالفقه كله، وبالتالي فقد حصل على الخير كلِّه، و"من يُرد الله به خيراً يُفقهه في الدين (?) ".
ومن جمع القواعد الفقهية فقد سلك لأحكام المسائل الفقهية - مهما اختلفت موضوعاتها وتباعدت مخارجها - أيسر سبيل وأقوم طريق. فهو علم عظيم النفع جليل الفائدة إذ هو علم الحلال والحرام.
وقد اعتنى به العلماء قديماً وحديثاً، فلتعدد مذاهب الفقهاء، واختلاف طرقهم في الاستنباط، ولكثرة المسائل الفقهية وتنوعها وتشعبها فقد رأى العلماء المجتهدون والفقهاء المتمرسون أن الحاجة ماسّة لوضع قواعد كلية وأصول عامة تجمع تلك الفروع والمسائل الكثيرة المتفرقة حتى لا يتوه طالب الحكم بين أشتات الجزئيات وأحكام المسائل المختلفات، فقام عدد من أكابر فقهاء المذاهب الذين أحاطوا علماً بمناهج كبار الأئمة السابقين وأصولهم فتعرفوا علل الأحكام التي يستنبطها أولئك، واستقصوا أنواع الأحكام المتشابهة التي تجمع بين المسائل المختلفة، فجمعوا الشبيه إلى شبيهه وضموا النظير إلى نظيره، وضبطوا ما تشابه وتماثل برباط وضابط واحد هو القاعدة فتكونت بذلك القواعد الفقهية التي تجمع كل واحدة منها المسائل