التعريف اللغوى:
الإجابة والاستجابة، بمعنى: وهو رجع الكلام، تقول أجابه عن سؤاله، واستجاب الله دعاءه، قال الله تعالى: "فإنى قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لى (?) .. "
وفعله: أجاب يجيب، والمصدر الإجابة.
والمجاوبة والتجاوب: التجاور، وتجاوب القوم: جاوب بعضهم بعضا (?) .
أما عند الفقهاء فلا يكادون يخرجون بها عن هذا المعنى اللغوى.
أولا- إجابة المؤذن للصلاة:
مذهب الحنفية:
يذهب الحنفية إلى وجوب إجابه المؤذن، وقال الحلوانى: بالندب، وذلك فى إجابة اللسان وبالوجوب فى المشى بالقدم على من سمع الأذان، ولو جنبا لا حائضا ونفساء وسامع خطبة، وفى صلاة جنازة وجماع ومستراح وأكل وتعليم علم وتعلمه بخلاف القرآن بأن يقول بلسانه مثل ما يقود المؤذن إذا كان يؤذن بالعربية من غير لحن فى الأذان إلا فى الحيعلتين فيحوقل، وفى " الصلاة خير من النوم" فيقول صدقت وبررت، ولو تكرر سماع الأذان أجاب الأول (?) .
مذهب الشافعية:
أما الشافعية فيذهبون إلى استحباب الاجابة على المؤذن لمن سمعه ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم لما روى عبد الله ابن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذ سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على، فإنه من صلى على مرة صلى الله عليه بها عشرا ".
فإن سمع ذلك وهو فى الصلاة لم يأت به فى الصلاة، فإذا فرغ أتى به وإن كان فى قراءة أتى به ثم رجع إلى القراءة لأنه يفوت والقراءة لا تفوت (?) .
ويقول الشافعية أن الإقامة كالأذان فى الإجابة إلا أنه يقول عند التلفظ بإقامة الصلاة: أقامها الله وأدامها (?) .
مذهب الحنابلة:
أما الحنابلة فيقولون يسن لمن سمع المؤذن أن يقول كقوله إلا فى الحيعلة فإنه يقول: لا حول
ولا قوة إلا بالله ويستدلون على ذلك بما فى الصحيحين عن أبى سعيد مرفوعا " اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ".
ويفصلون الأمر فيقول صاحب" النكت والفوائد السنية": وظاهر الأمر على الوجوب وقد قال به هنا بعض العلماء وأكثرهم على الاستحباب كقولنا وقد ورد ما يؤخذ منه صرفه عن ظاهره وهو ما رواه جماعة منهم مسلم عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فان سمع أذانا أمسك وإلا أغار، فسمع رجلا يقول الله أكبر الله أكبر فقال النبى صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: خرجت من النار 0
وقد نص الامام أحمد فى رواية الأثرم وغيره على أنه لا يجب إجابة المؤذن.
وظاهر كلام صاحب المحرر وكلام الأصحاب أنه يكرر مثل ما يقول المؤذن بتكرر سماع الأذان للصلاة الواحدة، وأنه إذا سمع الأذان وهو يقرأ قطع القراءة فإذا فرغ عاد عليها لأنها لا تفوت وكذا إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن وافقه ثم أخذ فى التحية (?) .
ويقول المالكية: وندب حكاية الأذان لسامعه بأن يقول مثل ما يقول المؤذن من تكبير أو تشهد لمنتهى الشهادتين على المشهور ولو كان السامع فى صلاة نفل فيندب له حكايته أما حكايته فى الفرض
فمكروهة مع الصحة إن اقتصر على منتهى الشهادتين أو أبدل الحيعلتين بالحوقلتين وإلا فتبطل (?) .
مذهب الظاهرية:
أما ابن حزم الظاهرى فيقول: ومن سمع المؤذن فليقل كما يقول المؤذن سواء من أول الأذان إلى آخره وسواء كان فى غير صلاة أو فى صلاة فرض أو نافلة، حاشا قول المؤذن حى على الصلاة، حى على الفلاح، فإنه لا يقولهما فى الصلاة ويقولهما فى غير صلاة، فإذا أتم الصلاة فليقل ذلك، مستشهدا فى ذلك بالحديث السابق ذكره فى مذهب الشافعية (?) .
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أن يقول السامع كالمؤذن لقوله صلى الله علية وسلم " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن " وقال": من قال حين يسمع ذلك دخل الجنة " ويقول كالمقيم أيضا، ويحوقل فى الحيعلة فيهما ويقطع ما هو فيه لذلك إلا الصلاة، فإن فعل، فكالدعاء فيها ونسب إلى يحيى من فقهائهم أنه يقول أقامها الله وأدامها، عند قول مقيم الصلاة " قد قامت الصلاة" (?) .
ويقول الزيدية أيضا: " وندب لسامع الأذان أن يحوقل بأن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ويدعو " (?) .
مذهب الإمامية:
ويقول الشيعة الجعفرية: ويستحب الحكاية لغير المؤذن إذا سمع كما يقول المؤذن وإن كان فى الصلاة إلا الحيعلات فيها فيبدلها بالحوقلة ولو حكاها بطل لأنها ليست ذكرا، وكذلك يجوز ابدالها فى غيرها، ويردد المجيب عبارة المؤذن فى سكتته بين كل عبارة وأخرى أو يرددها معه، ووقت حكاية الفصل بعد فراغ المؤذن منه أو معه، وليقطع الكلام إذا سمعه غير الحكاية وإن كان قرآنا، ولو دخل المسجد أخر التحية إلى الفراغ منه (?) .
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب الوضع فى الفقه الاباضى الحديث الوارد فى إحابة المؤذن وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا سمع الأذان فقولوا مثل ما يقول المؤذن " (?) .
ثانيا- إجابة الدعوة إلى الوليمة:
مذهب الحنفية:
يذهب الأحناف إلى أن إجابة الدعوة سنة، قال عليه الصلاة والسلام: " من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم ".
قال فى الهداية: ومن دعى إلى وليمة أو طعام فوجد ثمة لعبا أو غناء فلا بأس بأن يقعد ويأكل، وهذا إذا كان بعد الحضور، ولو علم قبل الحضور لا يحضر لأنه لم يلزمه حق الدعوة (?)
مذهب المالكية:
ويذهب المالكية الى وجوب اجابة الدعوة، وهو فى الأكل بالخيار، وفى الترمذى عن النبى صلى الله عليه وسلم إنه قال: " من دعى فليجب، فإن شاء طعم وأن شاء ترك ".
وقال أبن رشد: الأكل مستحب لقوله عليه السلام " فإن كان مفطرا فليأكل وأن كان صائما فليصل (أى يدعو) لصاحب الوليملة " (?) .
ويسقط وجوب الدعوة وجود غناء ورقص نساء وآلة لهو غير دف.
مذهب الشافعية:
أما الشافعية فيقولون: من دعى إلى وليمة العرس، وجب عليه الإجابة لما روى ابن عمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعى أحدكم إلى وليمة فليأتها ".
ومن الشافعية من قال: هى فرض على الكفاية لأن القصد اظهارها، وذلك يحصل بحضور البعض (?) ، وقيل إنها سنة.
وأما وليمة الختان والولادة فالاجابة إليها مستحبة قولا واحدا وقيل: على الخلاف (?) .
وإنما تجب أو تسن بشرط (?) ألا يخص الأغنياء بالدعوة وبشرط إسلام الداعى وإلا يكون المدعو مرخصا فى ترك الجماعة أو الجمعة، وألا يكون المقصود المباهاة وألا يكون الداعى فاسقا أو شريرا، وألا يكون المدعو قاضيا إلا مع أصله أو فرعه وألا تتعارض الدعوة مع ما هو أهم كأداء الشهادة وأن يتعين المدعو.
وإن دعى مسلم إلى وليمة ذمى ففيه وجهان: أحدهما تجب الإجابة للخير، والثانى لا تجب لأن الإجابة للتواصل وإختلاف الدين بمنع التواصل.
وأن كانت الوليمة ثلاثة أيام أجاب فى اليوم الأول والثانى وتكره الاجابه فى اليوم الثالث لما روى أن سعيد بن المسيب رحمه الله دعى مرتين فأجاب ثم دعى الثالثة فحصب الرسول.
وعن الحسن رحمه الله أنه قال: الدعوة أول يوم حسن والثانى حسن والثالث رياء وسمعة. وإن دعاه اثنان ولم يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقهما لحق السبق، فإن استويا فى السبق أجاب أقربهما رحما، فان أستويا فى الرحم أجاب أقربهما دارا، فإن استويا فى ذلك أقرع بينهما.
وإن دعى إلى موضع فيه دف أجاب لأن الدف يجوز فى الوليمة، فإن دعى إلى موضع فيه منكر من زمر أو خمر فان قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الإجابة ولإزالة المنكر، وأن لم يقدر على أزالته لم يحضر، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس على مائدة يدار فيها الخمر.
ومن حضر الطعام فان كان مفطرا ففيه وجهان: أحدهما يلزمه أن يأكل، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصل ".
والثانى: لا يجب، لما روى جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعى أحدكم الى طعام فليجب فان شاء طعم، وإن شاء ترك.
وأن دعى وهو صائم لم تسقط عنه الإجابة للخبر: ولأن القصد التكثير والتبرك بحضوره، وذلك يحصل مع الصوم، فإن كان الصوم فرضا لم يفطر، وإن كان تطوعا فالمستحب أن يفطر لأنه يدخل السرور على من دعاه وإن لم يفطر جاز (?) .
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة وجوب إجابة الدعوة إذا كان الداعى مسلما وعين المدعو، وقيل: هى فرض كفاية، وقيل: مستحبه. ولا تجب معمن يجوز هجره ولا من عمم بدعوته ولا من دعى بعد اليوم الأول، ولا يجوز لمن حضر الوليمة قطع صوم واجب ويستحب الأكل للمتنفل والمفطر. وقيل أن لم ينكسر قلب الداعى بإتمام النفل فهو أولى وإذا كلم فى الدعوه منكرا كالخمر والزمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا فلا يحضر ولو حضر فشاهد منكرا أزاله أن قدر وجلس وإلا إنصرف وأن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس (?) .
مذهب الظاهرية:
أما أبن حزم الظاهرى فيقول: وفرض على كل من دعى إلى وليمة أو طعام أن يجيب إلا من عذر فان كان مفحا ففرض عليه أن يأكل، فإن كان صائما فليدع الله لهم فإن كان هنالك حرير مبسط أو كانت الدار مغصوية أو كان الطعام مغصوبا أو كان هناك خمر ظاهر فليرجع ولا يجلس. عن نافع أن ابن عمر كان يقول عن النبى صلى الله عليه وسلم: إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو نحوه.
وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعى أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل، وأن كان مفطرا فليطعم ".
وصح عن أبى هريرة: من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله (?) .
مذهب الزيدية:
ويندب عند الزيدية حضور الوليمة بشرو ط سبعة: أولها أن تعم الفقير والغنى، والثانى: حيث تكون فى اليوم الأول والثانى والثالث: ألا يكون هناك منكر،
والرابع: أن يعين الداعى من يدعوه بنفسه أو برسوله أو بكتاب، والخامس ألا يدعوه لخوف منه أو لطمع فى جاهه أو اعانته على باطل والسادس: ألا يكون الداعى فاسقا أو شريرا، والسابع: ألا يكون أكثر مال الداعى حراما.
وندب أيضا اجابة المسلم إلى طعامه وإن لم يكن معه وليمة، وإذا اتفق داعيان أو أكثر فيستحب له أجابتهم جميعا ويندب له تقديم إجابة الأول ثم الأقرب نسبا ثم الأقرب بابا، فإذا أستويا أقرع بينهما (?) .
مذهب الإمامية:
أما الشيعة الجعفرية: فيستحبون إجابه الدعوة للوليمة عند الزفاف (?) وقد حكم فى الشرائع بكراهة الصوم ندبا لمن دعى إلى طعام، واستدال عليه فى "الجواهر" بما دل على النهى عن معارضة المؤمن وترك إجابته وقد قيل: أن مقتضى اطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين من هيأ لهم طعاما وغيره وبين من يشق عليه المخالفة وغيره، ونص الفاضلان على اشتراط كونه مؤمنا ولعله لكونه المتبادر من الأخ، ولأنه الذى رعايته أفضل من الصوم (?) .
ثالثا- إجابة المستفتى:
يقول ابن القيم (?) : إن سأل سائل عن الحكم فللمسئول حالتان: أحداهما أن يكون عالما به، والثانية أن يكون جاهلا به، فإن كان جاهلا حرم عليه الافتاء، وإن كان عالما بالحكم فللسائل حالتان: أحداهما أن يكون حضر وقت العمل) أى جاء السائل إلى المفتى لسؤاله عن واقعة حدثت) وقد احتاج إلى السؤال، فيجب على المفتى المبادرة على الفور إلى جوابه، الثانية أن يكون قد سأله عن الحادثة قبل وقوعها فهذا لا يجب على المفتى أن يجيب عنها، وأطال فى ذكر الأدلة. (أنظر: أفتاء) .
رابعا- أجابه الاستغاثة:
يقول الأحناف (?) : يجب إغاثة الملهوف بقطع الصلاة، سواء استغاث بالمصلى أولم يعين أحدا فى الاستغاثة (انظر: إغاثة)
خامسا- إجابة الخصوم عند القاضى:
لا خلاف بين الفقهاء فى الزام المدعى عليه بالإجابة على الدعوى إذا ما طلب منه ذلك.
جاء فى "البدائع" (?) : " أن من حكم الدعوى وجوب الجواب على المدعى عليه لأن قطع الخصومة والمنازعة وأجب ولا يمكن ذلك إلا بالجواب".
وفى "المغنى" (?) إذا حرر المدعى دعواه فللحاكم أن يسأل خصمه الجواب قبل أن يطلب المدعى ذلك.
وفى "الدردير" وحاشية الدسوقى (?) : يلزم المدعى عليه أن يجيب المدعى على دعواه بشئ محقق أو بالانكار (انظر: دعوى،- وقضاء) .
سادسا- إجابة المرأة فى النكاح:
جاء فى كتاب الهدايه فى الفقه الحنفى: النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول، فلو استأذن الثيب فلابد من رضاها بالقول لقوله عليه الصلاة والسلام: " الثيب تشاور " ولأن النطق لا يعد عيبا منها وقل الحياء بالممارسة فلا مانع من النطق فى حقها (?) .
وفى الكنز وشرحه للعينى (?) إن أستأذت الولى البكر البالغة فسكتت أوضحكت فهو إذن منها (انظر: النكاح) .
سابعا- إجابة طالب الضيافة:
للفقهاء خلاف وتفصيل فى إجابه الضيف إلى طلب الضيافة، فيذهب الظاهرية - كما ينقل عنهم ابن حزم (?) - إلى أنها فرض.
وكذلك المالكية (?) على تفصيل.
ونقل السوكانى (?) أنها ليست واجبة عند الجمهور (انظر: ضيافة) .
ثامنا- الإجابة إلى الإسلام:
يقول الحنفية: إن الإجابة إلى الإسلام بعد الدعوة إليه تقتضى الكف عن القتال وكذا فى الجزية بالنسبة لغير المرتدين ومشركى العرب.
جاء فى الهداية (?) : إذا دخل المسلمون دار الحرب فحاصروا حصنا أو مدينة دعوهم إلى الإسلام فإن أجابوا. كفوا عن قتالهم، وأن أمتنعوا دعوهم إلى أداء الجزية، وهذا فى حق من تقبل منه الجزيه ومن لا تقبل منه كالمرتدين وعبدة الأوثان لا يقبل منهم إلا الإسلام فان بذلها من تقبل منهم الجزية فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين (انظر: جهاد) .
وقالوا (?) فى المرتد: يعرض عليه الإسلام فإن كانت له شبهة كشفت عنه ويجبس ثلاثة أيام فان أجاب إلى الإسلام وإلا قتل (أنظر: مرتد) .