الحنفية:
يرى الحنفية أن آخذ الآبق إذا انفق عليه بدون إذن الحاكم يكون متبرعا، فلا يرجع بما أنفق على سيده، أما إذا أذنه الحاكم فإنه يرجع على سيده بما أنفق بشرط أن يقول فى إذنه له: " على أن ترجع بما أنفقت " فإذا لم يقل ذلك لا يكون له الرجوع فى الأصح، وذلك لأنه لو أذنه بشرط الرجوع يكون دينا على سيده، لأن للقاضى. ولاية فى مال الغائب، وهو هنا السيد وولايته على الآبق نظرا لهما وقد يكون النظر بالإنفاق. أما إذا لم يشترط فى إذنه الرجوع فإنه لا يكون دينا فى الأصح ولآخذ الآبق أن يحبسه عن السيد حتى يأخذ ما أنفق، كما يصح للبائع أن يحبس المبيع حتى يأخذ الثمن (?) .
وإذا كان المنفق عليه السلطان فى حالة ما إذا عجز الآخذ عن حفظه وأتى به إلى السلطان فإن السلطان ينفق عليه من بيت المال مدة حبسه، ثم يأخذ ما أنفقه من صاحبه عندما يجىء لطلبه ويرده إلى بيت المال. فإذا لم يجىء للعبد طالب وطالت مدته: بأن بلغت ثلاثة أيام كما جاء فى فتح القدير، وستة أشهر كما جاء فى ابن عابدين نقلا عن التترخانية - باعه القاضى وامسك ثمنه بعد أخذ ما أنفق لبيت المال منه. فإذا جاء مالكه وأقام البينة على أنه مالكه وحلف أنه لا يزال على ملكه- وهو قائم فى يد المشترى- لا يأخذه ولا ينتقص بيع القاضى، لأنه كحكمه، ولا يؤجره السلطان أو آخذه وينفق عليه من أجرته، لأنه يخشى إباقه، ولا يقاس فى ذلك على الضال، لأن الضال لا يخشى إباقه، كما أنه لا يقاس عليه فى عدم بيعه وإن طالت مدته، لأن الضال ينفق عليه من أجرته فلا يخشى أن تستأصل النفقة ثمنه 0 أما الآبق فإن دارة النفقة تستأصل ثمنه. ضرورة أن نفقته من ثمنه لا من أجرته (?) .
المالكية:
يرى المالكية أن نفقة العبد الآبق فى رقبة لا فى ذمة سيده، قال الدردير فى الشرح الكبير فى حالة ما إذا أبق العابد الآبق من الملتقط: " لا يبين على الملتقط (أى يصدق فى دعواه أنه أبق عنده من غير يمين) لأن نفقته على الآبق فى رقبته فلا يتهم بالتفريط لضياع نفقته عليه (?) ".
ومعنى كونها فى رقبته أنه إذا جاء سيده لأخذه دفعها، لأن الرقبة للسيد: فقد جاء فى حاشية الدسوقى: " إن نفقة الطعام والشراب والكسوة على ربه، ولو وجب للعامل جعل المثل أو المسمى فإذا قام بها العامل رجع بها عليه (?) ".
وقد تقدم فى عنصر (حكم أخذ الآبق) أن الظاهر أنه يرجع على السيد أيضا بما أنفقه على المحافظة على الآبق كأجرة الحارس إذا كان يخشى منه إيذاء لأنها من متعلقات حفظه.
هذا إذا كان من رده غير معتاد لرد الإباق والضلال أما إذا كان معتادا ذلك وقد وجب له الجعل، أو وجب له جعل المثل، فإن نفقة الآبق عليه ولو استغرقت الجعل (?) .
أما إذا كان الآخذ قد رفعه إلى الأمام فإن الأمام ينفق عليه من بيت المال مدة وقفه (أى حفظه) ، وهى سنة. فإذا جاء ربه أخذ منه النفقة وردها إلى بيت المال. أما إذا لم يجىء إلى نهاية السنة فإنه يبيعه، كما أن له أن يبيعه قبل مضيها إن خشى عليه ويأخذ ما أنفق من ثمنه ويرده إلى بيت المال (?) .
الشافعية:
يرى الشافعية أن الإنفاق على الآبق ممن أخذه ليرده يكون تبرعا إلا إذا كان قد انفق عليه مدة الرجوع بإذن الحاكم، أو يشهد أن لم يجد الحاكم أنه أنفق ليرجع، فقد جاء فى المغنى للخطيب الشربينى: " وإن أنفق عليه مدة الرجوع فمتبرع إلا أن يأذن الحاكم، أو يشهد عند فقده (أى فقد الحاكم وعدم وجوده عنده) ليرجع (?) ".
وليس له حبسه حتى يأخذ النفقة إذا كانت بإذن المالك، كما أنه لا يحبسه حتى يأخذ الجعل، فقد جاء فى المغنى شرح المنهاج: " وإذا رده: أى الآبق على سيده فليس له حبسه لقبض الجعل، لأن الاستحقاق بالتسليم. ولا حبس قبل التسليم. وكذا لا يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك (?) ".
الحنابلة:
يرى الحنابلة أنه إذا أنفق عليه آخذه ليرده إلى سيده تكون النفقة على سيده، يأخذها منه عند رده، فقد جاء فى مختصر الخرقى وشرحه المغنى: " وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه. وإنما كان كذلك لأن نفقة العبد على سيده، وقد قام الذى جاء به مقام سيده فى الواجب عليه، فرجع به عليه كما لو أذن له، وأنه أدى عنه ما وجب عليه عند تعذر أدائه منه، فرجع به عليه، كما أدى الحاكم عن الممتنع من الإنفاق على إمرأته ما يجب عليه من النفقة (?) ".
الزيدية:
يرون أن آخذه ينفق عليه من كسبه إن كان له كسب، وإلا فكاللقطة، فقد جاء فى البحر الزخار: " وينفق عليه من كسبه إن كان، وإلا فهو كاللقطة (?) ".
وقد ذكر حكم الإنفاق على اللقطة بقوله:
" يرى القاسمية أن عليه أن ينفق عليها ولو بنية الرجوع. ويرجع بما أنفق عليها، أو لنقلها، ولو بغير إذن الحاكم. ويرى زيد بن على والناصر والمؤيد بالله أنه لا ينفق عليها إلا بإذنه. قلنا: له الولاية على حفظها بدليل مطالبة غاصبها بعينها أو قيمتها، فكذا إنفاقها، وله حبسها حتى يستوفى بما أنفق (?) ".
الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى أن من وجد الضالة فأنفق عليها كان متبرعا، لأن صاحبه لم يأذنه بذلك، فقد قال فى المحلى: " ولا يلزم من وجد متاعه إذا أخذه أن يؤدى إلى الذى وجده عنده ما أنفق عليه، لأنه لم يأمره بذلك، فهو متطوع بما أنفق ... ثم روى عن الشعبى: إن رجلا أضل بعيرا له نضوا أى مهزولا فأخذه رجل فأنفق عليه حتى صلح وسمن، فوجده صاحبه عنده فخاصمه إلى عمر بن عبد العزيز فقضى له بالنفقة ورد الدابة إلى صاحبها. قال الشعبى: أما أنا فأقول: يأخذ ماله حيث وجده: سمينا أو مهزولا. ولا شىء عليه (?) ".
فهو 0 كما ترى يأخذ برأى الشعبى فى الضالة، والآبق عنده فى حكم الضالة كما ذكرنا.
الشيعة الإمامية:
يرون أن نفقة الآبق تكون على مالكه، إن لم يكن قد وضع عليه يد ضامنة كيد الغاصب، وقد تقدم أن ذكرنا ذلك حين الكلام على من يكون عليه الجعل، وقد قال صاحب شرائع الإسلام: " ولو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه ... ثم قال: ولو أنفق عليه باعه فى النفقة إن تعسر عليه استيفاؤها (?) ".
دية الآبق، ولمن تكون وعلى من يكون ضمان ما يتلفه هو؟
الحنفية:
يذهب الحنفية إلى أن حكم الآبق فى الجناية منه أو عليه كالحكم فيها فى المصر، فقد جاء فى المبسوط للسرخسى: " والحكم فى جناية الآبق والجناية عليه وفى حدوده كالحكم فيها فى المصر لأن الرق فيه باق بعد الإباق. وملك المولى قائم فيه. وباعتباره يخاطب بالدفع والفداء عند قدرته عليه (?) " فتكون ديته إذا قتل على وجه يستوجب الدية، أو قطع من أطرافه ما يستوجب الأرش- لسيده. ودية العبد بقدر قيمته، ونصفها بقدر نصفها ومادون ذلك فبالنسبة إليها.
أما متى تجب الدية كاملة أو نصفها أو دون ذلك فينظر فيه مصطلح (دية) .
ضمان ما يتلفه الآبق
حكم الآبق فى جنايته على شىء كالحكم فيها فى المصر كما قدمنا. والعبد فى المصر قد تكون جنايته إتلافا للنفس أو لجزء من آدمى، وقد تكون إتلافا لمال، فقد جاء فى الفتاوى الأنقروية بشأنهما " ففى الأول خير المولى بين الدفع والفداء. وفى الثانى خير بين الدفع والبيع (?) ".
أما فى حالة القصاص فإنه لا بد أن يدفعه إلى الحاكم أو ولى الدم ليستوفى منه القصاص إلا إذا رضى ولى الدم بالعفو عنه وتصالح على أخذ الدية. ومتى اختار المولى أحد الأمرين الدفع أو الفداء فى الحالة الأولى وفعله فلا شىء لولى الجناية سواه.
أما الدفع فلأن حق ولى الجناية متعلق به فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط حق المطالبة عن المولى. وما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش. فإذا أوفاه حقه سلم العبد له. وكذا إذا اختار أحدهما قولا ولم يفعل، أو فعل ولم يختره قولا يسقط حق ولى الجناية فى الأخر لأن المقصود تعيين المحل حتى يتمكن من الاستيفاء. والتعيين يحصل بالقول كما يحصل بالفعل ولا فرق فيما ذكر بين أن يكون المولى قادرا على الأرش أو غير قادر عند أبى حنيفة رحمه الله لأنه اختار أصل حقهم إذ أصل حقهم الأرش، وإنما جاز دفع العبد تخفيفا عنه، ومتى اختار أصل حقهم بطل حقهم فى العبد لأن ولاية التعيين للمولى لا لأولياء الدم.
وقال الصاحبان: لا يصح اختياره الفداء إذا كان مفلسا إلا برضاء الأولياء، لأن العبد صار حقهم بإفلاسه لأن الأصل عندهم دفع العبد، حتى إن المولى يضمنه بالإتلاف، فلا يملك إبطال حقهم إلا برضاهم أو بوصول البدل إليهم، وهو الدية. ومتى اختار أحدهما وجب عليه حالا (?) .
أما إن كان ما أتلفه مالا فقد بينا لك أنه مخير بين الدفع والبيع ليدفع قيمة ما أتلفه فيما نقلناه عن الفتاوى الأنقروية، وإذا كان مرهونا فإن ما يتلفه يكون على المرتهن إذا كانت قيمة العبد تساوى الدين أو أقل. أما إذا كانت أكثر فإن قيمة ما يتلفه تقسم بين المرتهن والراهن بنسبة الدين والزيادة فى القيمة (?) .
المالكية:
أما المالكية فعندهم دية العبد هى قيمته بالغة ما بلغت، فقد قال ابن رشد الحفيد: " وأما إذا قتل العبد خطأ أو عمدا على من لا يرى القصاص فيه، فقال قوم على القاتل قيمته بالغة ما بلغت وإن زادت على دية الحر وبه قال مالك والشافعى وأبو يوسف " ... ثم قال: وعمدة مالك أنه مال قد أتلف فوجب فيه القيمة أصله سائر الأموال (?) . وواضح ان الأبق لا يزال عبدا مملوكا لسيده فديته تكون لسيده.
أما ما يتلفه العبد فأما أن يكون بجناية على الآدمى، وأما أن يكون بجناية على المال. فإن كان بجناية على آدمى. فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: "وإن قتل عبد عبدا مثله أو حرا عمدا وثبت القتل ببينة أو، قسامة فى الحر- خير ولى المقتول ابتداء فى قتل العبد واستحيائه (أى طلب بقائه حيا على أن يأخذه أو يأخذ الدية) فإن اختار القتل فواضح، وإن استحياه فلسيده الخيار ثانيا فى أحد أمرين تسليمه، أو فداؤه (?) .
ومادام سيده له فداؤه فهو الذى سيكون ملزما بهذا الفداء نظير جناية العبد الآبق وواضح أن هذا الخيار لا يتحقق إلا إذا كان الآبق قد رد فلا تلزمه هذه الدية إلا بعد رد الآبق.
الشافعية:
يرى الشافعية أن دية الرقيق لسيده والآبق رقيق، فقد جاء فى الإشباه والنظائر للسيوطى: من أستحق القصاص فعفى عنه على مال فهو له (?) - أنظر جناية الرقيق وديته.
وقال فى الإشباه أيضا: " إذا جنى على عبد فى حال رقه فقطع يده مثلا ثم عتق ومات بالسراية فوجب فيه دية حر فإن للسيد فيها على أصح القولين- أقل الأمرين: من كل الدية ونصف القيمة (?) . ومعروف أن الآبق لا يزال عبدا. فيكون حكمه ما ذكر.
أما ما يتلفه الآبق فإما بجناية على الآدمى، أو على المال. فإن كان جناية على الآدمى وكانت موجبة للمال فقد قال صاحب المنهاج وشارحه صاحب المغنى: " جناية العبد الموجبة للمال وهى ما كانت غير عمد أو عمدا وعفا ولى الجناية على مال فالمال يتعلق برقبته بالإجماع كما حكاه البيهقى إذ لا يمكن الزامه لسيده لأنه إضرار به مع براءته ولا أن يكون فى ذمة العبد إلى عتقه للإضرار بالمستحقين " ثم بين صاحب المغنى معنى التعلق بالرقبة بأنه يباع ويصرف ثمنه إلى الجناية، ولا يملكه المجنى عليه بنفس الجناية وإن كانت قيمته أقل من أرشها لما فيه من إبطال حق السيد من التمكن من الفداء.. ثم بين هذا الفداء فقال وله أيضا فداؤه فيتخير بين الأمرين فإن اختار الفداء فيفديه فى الجديد بالأقل من قيمته ومن الأرش لأن الأقل إن كان القيمة فليس عليه غير تسليم الرقبة وهى بدلها أو الأرش فهو الواجب ثم قال: وفى القديم يفديه بأرشها بالغا ما بلغ لأنه لو سلمه ربما بيع بأكثر من قيمته (?) .
وواضح أن ثبوت حق الولى فى الاختيار إنما يكون بعد رد الآبق أما قبله فلا يمكن الاختيار فينتظر إلى أن يرد فإذا لم يرد فلا شىء عليه، ويدل على هذا، أو يوحى به ما جاء فى المنهاج والمغنى: " ولو هرب العبد الجانى أو مات قبل اختيار السيد الفداء برىء سيده من عهدته لأن الحق متعلق برقبته وقد فاتت إلا إذا طلب تسليمه منه ليباع فى الجناية فمنعه "..
ثم قال صاحب المغنى لو علم السيد موضع العبد الهارب وأمكنه رده- قال الزركشى: يتجه أن الرد يجب لأن التسليم واجب عليه (?) .
وقد استثنوا من الخيار بين التسليم لتباع وبين الفداء ما إذا كان الجانى أم ولد فقد جاء فى المنهاج والمغنى: " ويفدى السيد جوبا أم ولده الجانية حتما بالأقل من قيمتها والأرش قطعا لأنه بالاستيلاء منع بيعها مع بقاء الرق فيها فأشبه ما إذا جنى العبد فلم يسلمه للبيع ... ثم قال: وقيل فى جناية أم ولده: القولان السابقان فى جناية القن. ولعل مأخذه جواز بيع أم الولد (?) ".
وعلى القول بوجوب الفداء، فى أم الولد يكون حق المجنى عليه قد تعلق بالسيد، فقد قال السيوطى فى الأشباه والنظائر فى الأمور المتعلقة بالعبد: " الرابع ما يتعلق بالسيد، وذلك جناية المستولدة والعبد الأعجمى (أى الذى أمره آمر بالجناية فإنها تكون على الآمر لأنه يعتقد طاعة آمره) (?) أما ما يتلفه من المال فإنه يباع فيه لأنه يتعلق برقبته فقد قال السيوطى فى الأشباه فى الأمور المتعلقة بالعبد: الأول "ما يتعلق برقبته فيباع فيه وذلك أرش الجناية، وبدل المتلفات سواء كان بإذن السيد أم لا، لوجوبه بغير رضا المستحق (?) ".
وظاهر أن بيع الآبق إنما يكون بعد أن يرد.
الحنابلة:
يرى الحنابلة أن دية العبد تكون لسيده ولم يفرقوا بين كونه آبقا أو غير آبق فقد جاء فى المحرر عند الكلام على ما يشترط لوجوب القود: " ولو قال العبد اقتلنى أو إجرحنى ففعل المقول له ضمن الفاعل لسيده المال (?) ".
وقال فى المغنى " وإن قطع يد عبد فأعتق ثم عاد فقطع رجله وأندمل القطعان فلا قصاص فى اليد لأنها قطعت حال رقه.
ويجب فيها نصف قيمته أو ما نقصه القطع لسيده (?) ".
أما ما يتلفه فإنه يتعلق برقبته سواء أكانت جناية على آدمى أو مال، فقد جاء فى المحرر: وإذا جنى العبد خطأ أو عمدا لا قود فيه، أو فيه قود واختير فيه المال أو أتلف مالا فسيده بالخيار بين شيئين فقط فداؤه أو بيعه فى الجناية وعن أحمد رواية أخرى يخير بين الفداء أو دفعه بالجناية فقط. وعنه يخير بين الثلاثة وهنالك تفصيلات أخرى انظر مصطلح (دية) .
الزيدية:
يرون أن دية العبد بقدر قيمته إلا بعض علماء الزيدية فإنهم يشترطون ألا تزيد القيمة على دية الحر فغن زادت لم يضمن الزائد، ومن حيث أن الآبق لا يزال مملوكا لسيده فهو داخل فى ذلك الحكم، وقد جاء فى البحر الزخار
عن دية العبد: " والعبد والمدبر وأم الولد مضمونون بالقيمة إذ هم مال كالثياب والأسلحة " ثم نسب إلى زيد بن على، ولكتاب المنتخب، وللمؤيد بالله، ويحى بن الحسين من علماء العترة وأبى العباس الهاشمى الحسنى. أنهم قالوا: " إذا تعدت القيمة دية الحر لم يضمن الزائد لقول على عليه السلام (لا يزاد) الخبر وهو توقيف وقد روى صاحب جواهر الأخبار كلام على - عليه السلام - فقال العبد مال يؤدى ثمنه ولا تكون دية العبد أبدا أكثر من دية الحر (?) ".
وتكون أطراف العبد وأروشه (بدل جراحاته) منسوبة إلى قيمته فقد جاء فى البحر الزخار منسوبا إلى العترة " وأطراف العبد وأروشه منسوبة إلى قيمته كنسبتها إلى الدية فى الحر إذ روى عن على - عليه السلام - وعمر بن الخطاب ولم يخالفا (?) ". وفى هذا تفصيل ينظر فى مصطلح " دية".
أما لمن تكون دية الآبق فالذى يدل عليه كلامهم أنها تكون للسيد لأنه لا يزال عبدا له ودية العبد لسيده فقد جاء فى البحر الزخار منسوبا إلى المؤيد بالله ويحيى بن الحسين أبو طالب من العترة " وإذا جنى على العبد فلمالكه إمساكه ويطالب بالأرش كغيره من السلع (?) ".
أما جناية الآبق فإنها كجناية كل عبد تتعلق برقبته، فقد جاء فى البحر الزخار:
" فإن هلك العبد وفى رقبته جناية لم ضمنه سيده. قلت: ولو بعد تمرده، لتعلقها برقبته، إلا أن يموت بعد اختياره للفداء (?) ".
ومقتضى هذا أن الآبق كغيره فى تعلق الجناية برقبته. فإذا جنى ففى ذلك تفصيل، لأنه إما أن يكون أبق من سيده، أو أبق ممن عليه ضمانه كالغاصب. فإن كان قد أبق من سيده- فإن كانت جنايته على النفس تستوجب قصاصا فإنه يجب على سيده تسليمه بعد الرد إلى ولى الجناية، فقد قال صاحب البحر الزخار: " وإذا قتل عبد حرا سلمه مالكه لولى الجناية. ويخير ولى الجناية بين قتله، واسترقاقه، والتصرف فيه بأنواع التصرف إذ الاسترقاق والتصرف أخف حكما من القتل، وقد جاز القتل. وله أن يعفو أو يصالح (?) ".
أما إذا تنازل ولى الجناية عن القصاص على أن يعوض عن الجناية مالا فإن السيد عند رده- يكون مخيرا بين تسليمه أو فدائه، فقد جاء فى البحر الزخار- كما نقلنا سابقا- أن لولى الجناية أن يعفو أو يصالح والمصالح معه السيد، وما دام قد صالح فإنه يكون الحكم كما لو جنى على عضو، وقد جاء فى البحر عن الجناية على عضو: " وإذا جنى على طرف فللولى القصاص أو العفو بعوض أو لا، إذ الحق له.
وإذا اختار الأرش خير السيد بين تسليمه أو فدائه بالغا ما بلغ. وكذا لو جنى مالا قصاص فيه". هذا إذا كان قنا 0 أما إذا كان الجانى أم ولد (والفرض أنها آبقة) فإنها لا تسلم للاسترقاق بل للقصاص، وقد جاء فى البحر الزخار فى ذلك: " ولا تسلم أم الولد للاسترقاق، بل للقصاص، إلا عند من جوز البيع. وحيث يسقط القصاص يلزم السيد الأقل من قيمتها أو الأرش ... ثم قال: فإن أعسر السيد سعت فى قدر قيمتها فقط (?) ".
وأما إذا كان الجانى مكاتبا فإنه يسلم للقصاص وإن استحق فى الجناية أرش لمصالحة ولى الجناية فإنه يكون من كسبه، ولا شىء على السيد، فقد جاء فى البحر الزخار: " والمكاتب يقتص منه كالحر، لكن بشرط التكافؤ. ويتأرش من كسبه " ولكن الإمام يحيى بن حمزة الحسينى قال على ما رواه صاحب البحر الزخار: " إن أيسر السيد فعليه إلى قدر قوته كالمدبر، والجامع كونه عتق بإذن مولاه. وإن أعسر فوجهان: يسعى فيه وفى الكتابة ويقدم ما طلب. فإن نفقت فالجناية أقدم. إذ الدماء أعظم حرمة فإن عجز فكا لرق (?) " أما إذا كان الجانى مدبرا فإنه يقدم للقصاص، لا للاسترقاق ولو رضى ولى الدم بالعوض المالى فإن سيده يدفع الأرش، وقد قال صاحب البحر الزخار فى ذلك: " ويقتص من المدبر كغيره، ولا يسترق، وما لا قصاص فيه فعلى سيده الموسر اتفاقا، كأم الولد". ولكن القاسمية من الزيدية يرون أن هذا مقيد بيسار السيد، فقد قال صاحب البحر الزخار " نقلا عن القاسمية فإن أعسر فالقن: يسلمه أو يفديه (?) ".
هذا إذا كانت جنايته على آدمى. أما إذا كانت جنايته على مال فإنها بناء على أن الجناية تتعلق برقبته فيكون على المالك تسليمه لصاحب المال، أو الأرش كله متى رد إليه، فقد جاء فى البحر الزخار: " عن المؤيد بالله، وأبى طالب يحيى بن الحسين، وجناية العبد على المال تتعلق برقبته فيسلمها المالك، أو كل الأرش. وقيل: بل قدر قيمته. قلنا: إمساكه حول الجناية إلى ذمة السيد فضمنها ": أى أن السيد لما اختار إمساكه يكون قد حول الجناية إلى ذمته فيضمنها (?) .
هذا فى القن أما المدبر وأم الولد فلا خيار للسيد بين التسليم ودفع الأرش بل يلزم بدفع الأرش لأن تسليمها إنما يكون ليسترقهما من أصابه التلف، وهما لا يسترقان وقد قال صاحب البحر الزخار فى هذا: " وأما أم الولد والمدبر فتسليمهما للرق متعذر، فتعين فى ماله قيمتهما حيث لا قصاص ... ثم قال: بخلاف القن فاختيار إمساكه اختيار لتسليم كل الأرش لصحة استرقاقه. وما زاد على قيمتها من الأرش ففى رقبة المدبر، إذ يصح بيعه للضرورة وفى ذمة أم الولد إذ لا يصح بيعها. أما جناية المكاتب فمن كسبه (?) ".
هذا كله إذا رد الآبق إلى السيد. أما إذا لم يرد بحيث يهلك قبل أن يرد فلا شىء على السيد، كما لو هلك غير الآبق قبل أن يختار سيده التسليم فى الجناية أو الفداء وهذا ما أفصح عنه صاحب البحر الزخار بقوله " وإن هلك العبد وفى رقبته جناية لم يضمنه سيده. قلت: ولو بعد تمرده، لتعلقها برقبته إلا أن يموت بعد اختياره للفداء (?) ".
ويكون السيد مختارا للفداء إذا عبر بذلك صراحة أو فعل ما يتضمن أنه اختار الفداء بأن يعتقه أو يبيعه، أو يقتله بعد أن يكون قد علم جنايته، وهذا ما ذكره صاحب البحر بقوله: " فإن أعتقه أو قتله أو باعه عالما فهو اختيار للفداء فيلزمه، لا المشترى إذ لم تقع فى ملكه. وكذا لو رهنه بعد الجناية إذ أوجب فيه حقا للغير كالبيع (?) ". أما إذا كان قد أبق ممن يضمنه كأن يكون غاصب قد غصبه فإن ضمان جنايته على الغاصب وإن تعلقت برقبته. فقد قال صاحب البحر الزخار: "وجناية المغصوب على غاصبه إلى قيمته أى مضمومة إلى قيمته ثم فى رقبته. ثم قال: فإن قتل غاصبه اقتص منه الورثة، وعليهم قيمته من تركة الغاصب. وكذا لو قتل العبد سيده اقتص منه ورثته، وضمن الغاصب قيمته، إذ لا مسقط لضمانه (?) ".
الظاهرية:
الآبق لا يزال رقيقا، وملكه لا يزال لسيده، فالجناية عليه جناية على عبد مملوك فإذا جنى عليه بما يستوجب الدية أو أرش الجناية فقد بينه ابن حزم الظاهرى بقوله:
" وكل ما جنى على عبد أو أمة فإن فى الخطأ فى العبد وفى الأمة خطأ أو عمدا ما نقص من قيمته بالغا ما بلغ. وأما العبد والأمة ففيما جنى عليهما عمدا القود وما نقص من قيمتهما. أما القود فللمجنى عليه، وأما ما نقص من القيمة فللسيد فيما اعتدى عليه من ماله (?) ".
ثم قال: " والعبد والأمة مال فعلى متلفهما مثل ما تعدى فيه بالغا ما بلغ (?) ".
ومقتضى هذا أنه لا يحدد للرقيق دية: بأن تكون على النصف من دية الحر، أو أنها قيمته ما لم تبلغ عشرة آلاف درهم فإن بلغت لا يعطى سيده إلا عشرة آلاف درهم ينقص منها عشرة إن كان عبدا أو خمسة آلاف درهم ينقص منها خمسة إن كان أمة، إلى غير ذلك مما لا يجعل الدبة قيمته بالغة ما بلغت ولو وصلت إلى عشرين ألف درهم أو يزيد، وقد علل ابن حزم رأيه بأن العبد والأمة مال فعلى متلفهما لسيدهما مثل ما تعدى فيه بالغا ما بلغ كما تقدم أما من حيث القصاص إن كان القاتل عبدا أو حرا فينظر فيه مصطلح (قصاص) .
وأما ما يتلفه العبد آبقا أو غيره فقد بينه ابن حزم بقوله: " وأما جناية العبد على مال غيره ففى مال العبد إن كان له مال. فإن لم يكن له مال ففى ذمته يتبع بها حتى يكون له مال فى رقه أو بعد عتقه، وليس على سيده فداؤه، لا بما قل، ولا بما كثر، ولا إسلامه فى جنايته ولا بيعه فيها وكذلك جناية المدبر والمكاتب وأم الولد والمأذون وغير المأذون سواء. الدين والجناية فى كل ذلك سواء (44) "
أما جناية العبد على النفس فإن كان القتل عمدا ففيه القصاص، وإن كان خطأ ففيه الدبة المقررة. وينظر فى ذلك مصطلح (قصاص) ومصطلح (دية) . ولكن الدية تكون على العبد آبقا أو غيره فى ماله إن كان له مال وألا تكون فى ذمته يتبع بها إلى أن يكون له مال فى رقه أو بعد عتقه. ويرى ابن حزم أن العبد يملك (?) .
الشيعة الإمامية:
يرون أن دية العبد (آبقا أو غيره) إنما هى قيمته، وإنها تكون لسيده، فقد جاء فى شرائع الإسلام: "ودية العبد قيمته ولو جاوزت دية الحر ردت إليها ... ثم قال: ودية أعضائه وجراحاته، مقيسة على دية الحر، فما فيه دية ففى العبد قيمته كاللسان لكن لو كان قد جنى عليه جان بما فيه قيمته لم يكن لمولاه المطالبة إلا مع دفعه. وكل ما فيه مقدر فى الحر من ديته فهو فى العبد كذلك من قيمته: ولو جنى عليه جان بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد وليس له دفع العبد والمطالبة بقيمته (?) ".
أما تفصيل الديات من حيث وجوب كلها أو نصفها أو غير ذلك- فلينظر فيه مصطلح (دية) .
وأما ما يجنيه العبد (آبقا أو غيره) فإما أن يكون جناية على النفس، وإما أن يكون جناية على المال.
فإن كان جناية على النفس ووجب فيه الماء فصاحبه مخير بين فدائه ودفعه بالجناية فقد جاء فى شرائع الإسلام " ولو جنى العبد على الحر خطأ لم يضمنه المولى، ودفعه إن شاء أو فداه بأرش الجناية، والخيار فى ذلك إليه. ولا يتخير المجنى عليه. وكذا لو كانت جنايته لا تستوعب ديته تخير مولاه فى دفع أرش الجناية أو تسليم العبد ليسترق منه بقدر تلك الجناية. ويستوى فى ذلك كله القن والمدبر: ذكرا كان أو أنثى. وفى أم الولد تردد على ما مضى- والأقرب أنها كالقن فإذا دفعها المالك فى جنايتها استرقها المجنى عليه أو ورثته، وفى رواية جنايتها على مولاها (?) ".
ومقتضى ما تقدم أن ما يتلفه العبد (آبقا أو غيره) بالجناية على النفس أو الأطراف يتعلق برقبته، وقد صرح بهذا صاحب شرائع الإسلام حيث قال: " ولو قتل العبد عبدا عمدا فالقود لمولاه، فإن قتل جاز، وإن طلب الدية تعلقت برقبة الجانى، وإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه، ولا يضمنه مولاه، لكن لو تبرع فكه بقيمة الجناية (?) ".
وكذلك ما يتلفه من المال يتعلق برقبته، وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام حيث يقول: " ولو اركب مملوكه دابة ضمن المولى جناية الراكب، - ومن الأصحاب من شرط صغر المملوك وهو حسن. ولو كان بالغا كانت الجناية فى رقبته إن كانت على نفس آدمى. ولو كانت على مال لم يضمن المولى. وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا عتق (?) ".
وقال فى موضع آخر: " إذا التقط العبد ولم يعلم المولى فعرف حولا ثم أتلف العبد اللقطة تعلق الضمان برقبته يتبع بذلك إذا أعتق كالغرض الفاسد (?) ".
الإباضية:
الآبق لا يزال على ملك سيده فحكمه فى الدية حكم كل العبيد. ودية الرقيق قدر قيمته فقد جاء فى كتاب النيل: " ودية الرقيق قدر قيمته، ولا يجاوز بها دية حر (?) ".
هذا إذا كان قد قتل إما إذا كان قد جرح جراحة فيها دية فعلى نحو ما فى الحر بالنسبة لقيمته فقد جاء فى كتاب النيل: " وما فى حر كنصف ديته أو ثلثها ففى الرقيق كذلك، والتام كالتام ... الخ (?) ".
وتكون الدية إذا قتله حر، فقد جاء فى كتاب النيل: " والحر لا يقتل بالعبد، وعليه قيمته (?) ".
ومقتضى النص الذى قبل هذا أن الواجب القيمة ما لم تبلغ دية الحر، ولكن جاء فى كتاب النيل فى موضع آخر: " ثم رأيت ما نصه: ومن قتل عبدا فعليه قيمته: عمدا أو خطأ، وإن جاوزت دية الحر (?) ".
أما إذا قتله عبد فإن ربه مخير بين عدة أمور ذكرها صاحب النيل ومتنه فيما يأتى: " وإن قتل العبد عبدا مثله فى القيمة خير رب العبد القتيل فى أخذه، أو أخذ قيمته، أو فى قتله أو العفو، وقد مر حكم كون العبد القاتل أكثر قيمة من العبد المقتول إذ قال (أى صاحب المتن) ولا عبدا أكثر قيمة بآخر حتى يرد ربه الفضل. وخير رب العبد القتيل فى أخذ العبد القاتل أو قيمته، أو قتله أو العفو فى عكسه، وهو أن يكون العبد القاتل أقل قيمة (?) " وواضح من النصوص المتقدمة أن ديته تكون لسيده. أما إذا جنى الآبق على غيره فإن جنايته إما أن تكون على النفس أو على المال، فإن كانت على النفس بقتل عمد أو خطأ فقد بين صاحب النيل حكمه بقوله: " وإن قتل عبد حر اولو خطأ فهو أى العبد لوليه أى لولى الحر مطلقا: شاء سيده أو ولى القتيل أو كره أحدهما، استحقه بوليه: إن شاء استعبده وإن شاء قتله. كما أنه إذا أراد الولى قتل الحر الذى قتل وليه أدرك ذلك ولو أراد القاتل أن يعطى الدية: شاء الولى قيمة العبد أو لا. ماله إلا العبد وقيل له العبد إن شاء، وإلا أدرك قيمته على سيده. وقيل: إن قتله عمدا فله العبد لا غيره أو خطأ فالخيار لربه ".
أما إذا كانت جنايته لم تصل إلى القتل: بأن كانت جروحا أو غيرها فقد بين صاحب النيل الحكم فى ذلك إذ يقول " ودون النفس من الجروح والآثار وقوات المنافع كالصمم- الخيار لربه إذا كان الجرح مثل قيمة العبد أو كثر. وكذا غير الجرح كذهاب السمع. فإن شاء رب العبد أعطاه ذلك العبد، وإن شاء أعطاه قيمته بتقويم العدول. وإن كان أقل من نفس العبد فالأرش (?) ".
وأما إذا كانت جنايته على عبد مثله فى القيمة، أو أكثر منه أو أقل بالقتل فقد تقدم حكمه فى النص الذى قدمناه فى الجناية على العبد.
وأما إذا أتلف مالا فى عمد أو خطأ فلا يلزم ربه أكثر من قيمته (?) ، وذلك يظهر من قول صاحب النيل وشارحه " والعبد إن قتل أو قتل خطأ. أو أفسد بالخطأ مالا لم يلزم عاقلة ربه، إذ لا تعقل عبدا ولا عمدا: أى ما تعمده الإنسان- ولا اعترافا: أى ما أقر به الجانى قبل أن يبين عليه بالبينة العادلة، ولا صلحا ... إلى أن قال: ولا يلزم ربه أكثر من قيمته وإن فى عمد، إن لم يأمره، وإن أمره لزمه كل ما فعل فى مال أو نفس ولو ديات أو أموالا عظيمة ".
وما دام كلامنا فى جناية الآبق حين إباقه فغير معقول أن يكون سيده أمره بالإتلاف وحينئذ لا يكون على ربه كثر من قيمته.