فالسماوات والأرض والجبال تنطق بإنطاق الله تعالى إياها، وجوارح الكافر تشهد عليه كما قال الله تعالى: قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت: 21]

ثم قال الإمام أحمد: "أتراها أنها نطقت بجوف وفم ولسان؟

ولكن الله أنطقها كيف شاء. وكذلك الله تكلم كيف شاء من غير أن يقول بجوف ولا فم ولا شفتين ولا لسان" (?).

الشبهة الثانية:

شبهة الحوادث والأعراض:

قالوا: لو أثبتنا الكلام الحقيقي الذي هو بحرف وصوت لزم حلول الحوادث والأعراض بذاته تعالى.

والجواب: أن لفظتي "الحوادث والأعراض" من المصطلحات الكلامية الفلسفية المبتدعة المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً.

وقد سبق أن ذكرنا قاعدة أئمة السنة في مثل هذه الكلمات.

وهي: أنه لا يجوز الحكم على مثلها نفياً أو إثباتاً قبل استبانة مراد قائلها؛ وبعد الاستبانة ينظر فإن كان مراده حقاً قبل وإلا رد عليه مع أن التعبير بالألفاظ المأثورة هو الطريق المتبع.

فنقول في ضوء هذه القاعدة:

أولاً: إن لفظي "الأعراض والحوادث" لفظان مجملان،

فإن أريد بهما ما يعرفه أهل اللغة: من أن الأعراض والحوادث هي الأمراض والآفات - فهذه نقائص وعيوب يجب تنزيه الله سبحانه وتعالى عنها (ولكن لا يلزم من كون الله لم يزل متكلماً ولا يزال متكلماً - حلول الحوادث به).وإن أريد بهما اصطلاح خاص وهو اصطلاح أهل الكلام من المعطلة ليعطلوا بذلك صفات الله تعالى ويحرفوا نصوصها فهذا اصطلاح باطل لا يعرفه أهل اللغة ولا أهل العرف (?) ولا يقره نقل ولا عقل.

ثانياً: نقول لهم إن عطلتم صفة "كلام" الله تعالى بحجة الأعراض والحوادث فلم أثبتم لله تعالى علماً وقدرة وإرادة؟.

وإذاً لا تكون هذه أعراضاً وحوادث -

فلا تكون صفةُ "كلام الله"، تعالى بحرف وصوت عرضاً من الأعراض وحادثة من الحوادث.

ثالثاً: نقول لهم: إن كنتم تريدون بنفي حلول الحوادث والأعراض أن الله تعالى لا يحل في ذاته شيء من مخلوقاته كما لا يحل هو في مخلوقاته.

فهذا النفي حق وواجب. وإن كنتم تريدون بهذا نفي صفات الله الاختيارية التي تحت مشيئته واختياره، وتقولون: إنه تعالى لا يفعل ما يريد ولا يتكلم بما شاء متى شاء ولا يغضب ولا يرضى، فهذا النفي باطل لأنه عين التعطيل والتحريف (?).

الشبهة الثالثة: بيتُ الأخطل:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلاً

تقدم أن ذكرنا أن الماتريدية استدلوا ببيت منسوب إلى الكافر النصراني لإثبات "الكلام النفسي" كما سبق في ص 82.

ولأئمة السنة عنه أجوبة: الأول: أنه مكذوب مصنوع مختلق موضوع على العرب، ولا يوجد في ديوان الأخطل ولا غيره (?).

الثاني: أنه لو قدر ثبوته لكان نص البيت:

إن البيان من الفؤاد، وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلاً

فقد قال أبو البيان هكذا رأيته في ديوانه فحرفه بعض النفاة إلى:"إن الكلام لفي .... " (?).

الثالث: أنه لو قدر صحته - فهو أنزل منزلةً من خبر الواحد الصحيح بدركات، قال شيخ الإسلام وغيره:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015