المبحث السادس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "نزول" الله إلى السماء الدنيا

لقد سبق أن ذكرنا أن الباعث للماتريدية ولغيرهم من المعطلة أنهم فهموا من نصوص "النزول" و"الإثبات" و"المجيء" ما يفهم من صفات المخلوق.

فقالوا: لو تركنا هذه النصوص على ظاهرها لزم الله انتقال الأعراض والأجسام وهذا يستلزم التغير والزوال له تعالى فيكون الله من الآفلين. فيجب صرف ذلك إلى ما يستحق بالربوبية (?).

وبناء على هذا الأساس الباطل المنهار عطلوا صفات الله تعالى "النزول" و"الإتيان" و"المجيء".

وحرفوا نصوصها. فقالوا: المراد نزول اللطف، والرحمة على سبيل التمثيل (?).أو نزول بره وعطائه (?).أو نزول الملك (?).أو المراد الاطلاع، والإقبال على العباد بالرحمة (?).

وهكذا عطلوا صفة "الإتيان" لله تعالى، وحرفوا نصوصها. فقالوا: المراد إتيان عذابه، أو إتيان ملائكته، أو مجاز عن التجلي، أو معناه: أن يأتي الله بأمره، وبأسه، فحذف المفعول به، وغيرها (?).

وكذا عطلوا صفة "المجيء" وحرفوا نصوصها إلى أنواع من المجازات بشتى التأويلات. فقالوا: المراد المجيء حكمه، وعطائه، وأمره، وقضائه، أو ظهور آثار قهره، وسلطانه، وغيرها (?).

وقد رأيت للإمام أبي منصور الماتريدي تحريفاً عجيباً وتخريفاً غريباً لم أجده عند غيره من المعطلة - فيما أعلم - يندهش المسلم منه وترعد فرائصه وهو: أن "الواو" في قوله تعالى وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22].بمعنى "الباء" وتكون الباء لتعدية "جاء" ويكون "الملك" مفعولاً به، فيكون المعنى: وجاء ربك بالملك صفاً صفاً (?) تعالى الله عما يصفون.

كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً.

تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً.

هذه كانت نماذج من تأويلاتهم التي يدعون أنها موافقة للغة العربية!.

وبعد هذا العرض نناقش الماتريدية في تعطيلهم لصفة "النزول" وتحريفهم لنصوصها، ونكتفي بذلك لئلا يطول بنا الكلام.

ويكون كلامنا مع الماتريدية في مقامين:

المقام الأول:

في بيان فساد مذهب الماتريدية في صفة "النزول".

وفيه أمور:-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015