وهذه حقيقة واقعة إلى حد اعترف بها الإمام ابن العربي (543هـ) مع غلوه في المباحث الكلامية، وصرح بأن معناه معلوم والكيفية مجهولة، قاله في تفسير مقالة الإمام مالك. والإمام ابن العربي هذا من أهم المصادر الكلامية للكوثري (?).
الناحية الثامنة:
أن تأويل الماتريدية لكثير من صفات الله تعالى ومنها "استوائه" على عرشه سبحانه - بدعة في الإسلام، وخروج على إجماع سلف هذه الأمة وأئمة السنة وأن مقالة التأويل مستلزمة لتعطيل صفات الله تعالى وتحريف نصوصها.
بل هي في الأصل مقالة اليهود الكفار، ثم أدخلت على المسلمين بأيدي الجهمية الأولى والمعتزلة وفتحٌ لأبواب الزندقة والإلحاد وسائر الطامات. ولذلك نرى أن المعتزلة يعطلون صفة "الاستواء" ويحرفون نصوصها إلى الاستيلاء ويستدلون بذلك البيت الموضوع المصنوع (?).بشهادة كبار أئمة الإسلام وأساطين الكلام (?).
وهذا دليل على أن الماتريدية في مثل هذه التحريفات وتعطيل الصفات أتباع للجهمية الأولى وليسوا من أهل السنة.
الناحية التاسعة:
أنه لم يأت في اللغة العربية الصحيحة كون "الاستواء" بمعنى "الاستيلاء".
قاله إمام أئمة اللغة العربية محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي (230هـ).
فقد قاله الإمام أبو سليمان داود بن علي بن خلف إمام الظاهرية (270هـ).
"كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: ما معنى قول الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].
فقال: هو على عرشه كما أخبر عز وجل.
فقال: يا أبا عبدالله ليس هذا معناه إنما معناه "استولى".
قال: اسكت ما أنت وهذا، لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاداً فإذا غلب أحدهما قيل: استولى، أما سمعت النابغة:
ألا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد
قلت: الرجل في قول الإمام داود: "كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل ... " لم أعرفه. ولكن قال شيخنا الألباني: "قلت: لعله أحمد بن أبي دؤاد الجهمي - الحنفي رأس الفتنة والاعتزال - المصرح بأنه السائل في الرواية التي قبل هذه" (?).
فقد سأل ابن أبي دُؤاد هذا ابن الأعرابي: "أتعرف في اللغة "استوى"؟ بمعنى (استولى) فقال: لا أعرف".ولفظ ما حكى الإمام ابن القيم عن ابن الأعرابي: "أرادني ابن أبي دؤاد أن أطلب له في بعض لغات العرب، ومعانيها .... "استوى" بمعنى "استولى" فقلت: له والله ما يكون هذا ولا وجدته" (?).