فالناظر السليم الفطرة، عن أرجاس الفلسفة وأنجاس الكلام - إلى هذه الآيات البينات والمتدبر بحق في هذه الكلمات المحكمات لا يفهم منها إلا علو الله تبارك وتعالى على عرشه، ولا يتبادر إلى ذهنه المعاني الخمسة عشر للاستواء، والخمسة للعرش أبداً وهذه حقيقة واقعة لا ينكرها إلا منكر مكابر، ومعاند مجاهر؛ لأن "الاستواء" المعدى بلفظه "على" نص صريح محكم في العلو والارتفاع ولشيخ الإسلام كلام مهم فراجعه (?).
الأمر الثاني: أن المتشبث بهذه الشبهة الواهية يتدرج بقوله:
"إن للاستواء معاني وللعرش معاني".
إلى القول بالتفويض في صفة الاستواء.
وقد أقمنا أدلة قاهرة باهرة على إبطال القول بالتفويض المطلق الكلامي المفتعل الموضوع المصنوع على السلف، وأبطلنا نسبته إلى السلف.
كما أبطلنا شبهاتهم التي تشبثوا بها لدعم التفويض.
وبينا الفرق بين التفويض الباطل الخلفي وبين التفويض الحق السلفي.
الأمر الثالث: إن صفة "الاستواء" لله تعالى على عرشه في هذه الآيات وهذا السياق قد عرفه سلف هذه الأمة وفسروه بالعلو والارتفاع،
كابن عباس وأبي العالية رفيع بن مهران الرياحي (90هـ) ومجاهد ابن جبر (101هـ) والربيع بن أنس البكري (140هـ).
وعلى هذا بعدهم أئمةُ السنة والحديث والتفسير، أمثال: أبي عبيدة (210هـ). والبخاري (256هـ) وابن قتيبة (276هـ) وابن جرير (310هـ) وابن أي حاتم (327هـ) وابن عبدالبر (463هـ) والبغوي (516هـ) وغيرهم (?).وهو قول: كبار أئمة اللغة أمثال: الخليل بن أحمد (175هـ) والفراء (207هـ) والأخفش (215هـ) وأبي العباس ثعلب (291هـ) وابن الأعرابي (230هـ) وابن عرفة المعروف بـ"نفطويه" (323هـ) وغيرهم (?).وهكذا كبار أساطين الكلام، كابن كلاب (240هـ) والأشعري (324هـ) والباقلاني (403هـ) (?).
قال الإمام الحافظ الفقيه أبو محمد عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن شيرويه (305هـ)."سمعت إسحاق بن راهويه - (الإمام أحد الأثبات الثقات الأعلام) (238هـ) - أنبأنا بشر بن عمر الزهراني - (أحد ثقات أئمة الأعلام) (207هـ) قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، "على العرش ارتفع" (?).
الأمر الرابع: أن واقع نصوص أئمة السنة وسلف هذه الأمة يدل دلالة قاطعة على أن للعرش ولاستواء الله تعالى عليه معنى واحداً معلوماً؛
وهو أن العرش هو عرش الرحمن المحيط على السموات والأرض.
وأن استواء الله تعالى عليه هو علوه تعالى وارتفاعه عليه.
وهو معلوم غير أن كيفيته مجهولة.
وفيما يلي نصوص بعضهم: