فالله ليس داخلاً في المخلوقات.
أم تريد بالجهة ما وراء العالم؟.
فلا ريب أن الله فوق العالم بائن من المخلوقات.
وكذلك يقال لمن قال: إن الله في جهة: أتريد بذلك أن الله فوق العالم؟ أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟.فإن أردت الأول فهو حق، وإن أردت الثاني فهو باطل" (?).
قلت: لفظ "الجهة" بالمعنى الصحيح، أعني بمعنى "العلو" لله تعالى على خلقه، هو مقتضى الكتب السماوية والأحاديث النبوية، وعلى ذلك العقل الصريح والفطرة السليمة ولذلك يوجد في كلام أئمة السنة، لفظة "الجهة" بهذا المعنى، ولا غبار عليها، ومع ذلك الأفضل التقيد بالألفاظ المأثورة.
وإثبات "الجهة" لله تعالى بهذا المعنى مما اعترف به كثير من كبار المتفلسفة، والمتكلمة.
1 - 3 - القاضي عياض (544هـ) والإمام النواوي (676هـ) والزبيدي الحنفي (1205هـ):فقد صرحوا بأن المحدثين والفقهاء والمتكلمين بإثبات "جهة" الفوق وأن معنى في السماء عندهم "على السماء" وأما دهماء المتكلمين فينفون الجهة (?).
4 - وقال أبو الوليد محمد بن أحمد المعروف بابن "رشد" الحفيد المتفلسف (595هـ):
"القول بالجهة: وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه وتعالى حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية ... وظواهر الشرع كلها تقتضى إثبات الجهة".ثم ذكر عدة أدلة على ذلك كما ضرب مثالاً مهما للمؤولين المحرفين (?).
5 - وقال القرطبي المفسر (671هـ) بعد ما ذكر مذهب المتكلمين النفاة لعلو الله تعالى:
"وقد كان السلف الأول لا يقولون بنفي "الجهة" ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها، كما نطق كتابه وأخبرت رسله، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة ... وإما جهلوا كيفية الاستواء".ثم ذكر مقالة الإمام مالك المشهورة في الاستواء ثم قال: "وهذا القدر كاف ... ، والاستواء في كلام الرب: هو العلو والاستقرار ... " (?).6 - وقال القرطبي أيضاً "وأظهر الأقوال في ذلك ما تظاهرت عليه الآي والأخبار، وقاله الفضلاء الأخيار أن الله على عرشه كما أخبر في كتابه، وعلى لسان نبيه بلا كيف بائن من خلقه، هذا مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات" (?).