ثم قال: وما في كتاب الدارمي من إثبات المكان والجهة والحد والنهاية والغاية ... وكفر ناقل من الملة حتى إخوان الصفا يقرون في قرارة أنفسهم أن ذلك كفر ناقل عن الملة فكيف أصدر الأزهر القرار بإباحة نشره وأنه لا شيء في تداوله -

على ما فيه من الكفريات الفظيعة التي ذكرنا بعض نماذج منها. ثم قال: في كتاب الدارمي وسنة عبدالله بن أحمد من الكفريات والجاهلية الجهلاء والوثنية الخرقاء ودسائس الوثنية وصرائح الكفر الناقل من الملة (?).وقال: "ومن يَعُدُّ الله سبحانه متمكناً بمكان فهو عابدُ وثن خارجٌ عن جماعة المسلمين كما نص عليه غير واحد من أئمة أصول الدين، تعالى الله عن إفك الأفاكين" (?).

قلت: هكذا نرى الكوثري في عامة كتاباته الفتاكة المسمومة يجاهر بتلبيس الحق بالباطل، وتدليس في الدين وتحريف لصميم الإسلام وتكفير لسلف هذه الأئمة وأئمة السنة وجعلهم وثنية وطعنه في كتبهم وجعلها من كتب الوثنية.

وقد قال مثل هذا الهذيان كبار أساطين الماتريدية.

وقد حرف أبو الليث السمرقندي (375هـ) قول الإمام أبي حنيفة: "من قال: لا أعرف ربي أفي السماء أم في الأرض فقد كفر".فقال: في توجيه كلام الإمام أبي حنيفة: "لأنه بهذا القول يوهم أن يكون له مكان فكان مشركاً" (?).وتبعه في هذا التحريف رئيس قضاة الماتريدية لعساكرهم كمال الدين البياضي (1098هـ) فقال في توجيه كلام الإمام أبي حنيفة: "لكونه قائلاً باختصاص الباري بجهة وحيز، وكل ما هو مختص بالجهة والحيز فإنه محتاج محدث بالضرورة ... " (?).

قلت: هذا كان بيانا تشبثهم بتلك الشبهات وتمسكهم بتلك الألفاظ المجملة البدعية الفلسفية الكلامية البراقة المدهشة المخوّفة المهولة لمن لا يعرف حقيقة قصدهم منهم، وبهذه الشبهة عطلوا "صفة العلو" لله تعالى، وحرفوا نصوصها بأنواع من التأويلات إلى شتى المعاني المجازية التي ذكرناها.

الجواب عن هذه الشبهات:

لأئمة السنة عن شبهاتهم جوابان: إجمالي، وتفصيلي:

أما الجواب الإجمالي:

فهو أن هذه الألفاظ المجملة المتشابهة المحدثة الفلسفية الكلامية لا تقبل مطلقاً ولا ترد مطلقاً قبل أن يعلم مراد قائلها.

بل لابد أن يستفسر قائلها؛ فإن أراد معنًى حقاً موافقاً للكتاب والسنة - قيل قوله وإلا يرد قوله، وينبذ نبذ النواة.

قال شيخ الإسلام (728هـ) والإمام ابن القيم (751هـ) وابن أبي العز الحنفي (792هـ) ونعمان الآلوسي الحنفي (1317هـ) واللفظ للثالث:

"للناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال:

فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل، وهم المتبعون للسلف ... لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية.

فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي.

ولهذا كانت النفاة ينفون بها حقاً وباطلاً ... وبعض المثبتين لها يدخل لها معنى باطلاً مخالفاً لقول السلف ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015