قلت: لا يصح أي تأويل لقوله تعالى: فَوْقَ عِبَادِهِ كأن يقال: المراد من "الفوقية" فوقية القهر، والغلبة، والعظمة، ونحوها مما يرتكبه الماتريدية في تحريف نصوص العلو كما تقدم، لأن قوله تعالى وَهُوَ الْقَاهِرُ دل على تلك الفوقية، فلو حمل قوله تعالى فَوْقَ عِبَادِهِ أيضاً على تلك الفوقية القهرية - لكان الكلام مبنياً على التأكيد والتكرار، مع أن التأسيس أولى من التأكيد لاشتمال التأسيس على الإفادة فائدةً جديدةً حتى باعتراف الماتريدية. على أن حمل الكلام على الحقيقة متعين؛ لأن الحقيقة هي الأصل باعترافهم أيضاً (?).
وقال عز وجل: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ [النحل:50] وهذه الآية لا احتمال فيها لأي مجاز أو تأويلٍ بوجهٍ من الوجه، لوجود كلمة "من" المعينة للفوقية الذاتية الحقيقية (?).3 - ونصوص كونه تبارك وتعالى في السماء. والمراد من "السماء" العلو والارتفاع، وكلمة "في" بمعنى كلمة "على" (?).
4 - ونوصوص استوائه سبحانه على عرشه تعالى.
5 - ونصوص العروج إليه جلا وعلا.
6 - ونصوص الصعود إليه تبارك.
7 - ونصوص الرفع إليه سبحانه.
8 - وأحاديث نزول الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا.
9 - وأحاديث معراجه صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى. ففي لفظ من تلك الأحاديث: ((ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى .. )) (?).10 - وأحاديث الإشارة إلى السماء بعدها إشارة إلى الله عز وجل منها حديث جابر الطويل في حجة الوداع، وفيه: ((فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس - اللهم اشهد - ثلاث مرات)) (?).ومنها حديث الجارية وفيه: ((أين الله)) فقالت ((في السماء)) (?).
قلتُ: هذه النصوص ومعها أضعافُ أضعاف أضعافٍ تدل دلالة قاطعة لا تحتمل النقيض على أن الله تعالى فوق هذا العالم حقيقة، وأن هذه النصوص القاطعة الساطعة لا تحتمل المجاز والتأويل بوجه من الوجوه؛ ولهذا قال الإمام ابن القيم بعد ما ساق أحداً وعشرين نوعاً من حجج "علو" الله تعالى:
وقد اقتصرت على يسير من كثيـ ... ـرٍ فائتٍ للعدَ والحسبان
ما كل هذا قابل التأويل بالـ ... ـتحريف فاستحيوا من الرحمن (?)
لكن الماتريدية يحرفون هذه النصوص مع كثرتها واطرادها وتظافرها إلى معانٍ مجازية قد زكرناها فيما سبق فلا داعي إلى إعادتها.