إذا تقرر هذا علم أن أحاديث (الصحيحين) مقدمة على غيرها عند التعارض ولا أعلم في هذا خلافاً لأحد إلا لمتأخري الحنفية، فقد قالوا عدم ترجيح أحاديث (الصحيحين) عند التعارض على غيرها، وذلك لأنهم يعلمون جيداً أن مذهبهم مخالف لكثير من أحاديث (الصحيحين)، فوضعوا هذا الأصل ليخرجوا بهذا عن هذا المضيق؛ فقالوا: لا ترجيح لأحاديث (الصحيحين) عند التعارض بل - يجوز أن يقدم حديث آخر على حديث (الصحيحين).وأول من وضع هذا الأصل - فيما أعلم- من الحنفية هو الإمام ابن الهمام (861هـ) ثم تابعه الحنفية، ولا سيما الديوبندية منهم، والكوثرية (?).قلت: وهذا الأصل الفاسد مبني على أصلهم الآخر أفسد منه، وهو: أن للحنفية أصولاً وقواعد في تصحيح الحديث وتضعيفه، كما أن للمحدثين قواعد، فرب حديث ضعيف عند المحدثين صحيح عند الحنفية، وبالعكس فلا لوم على الحنفية إذا خالفوا بعض الأحاديث (?).قلت: هذا الذي عرضناه من مكانة أحاديث (الصحيحين)، وأنها مما احتف بالقرائن، وأنها تلقتها الأمة بالقبول، وأنها تفيد العلم القطعي اليقيني - على لسان كبار أئمة الحنفية، وغيرهم - يقطع دابر هذا الأصل الفاسد، ولقد تصدى للرد على هذا الأصل المحدث المباركفوري (1253هـ) (?).
قلت: ويكفي لرد مزاعمهم في تقديم حديث خارج (الصحيحين) على أحاديثهما ورد أحاديث (الصحيحين) بذلك دفاعاً عن مذهبهم - ما قاله الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني الملقب بركن الدين (418):
"أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها (الصحيحان) مقطوع بصحة أصولها، ومتونها ولا يحصل الخلاف فيها بحال، وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها، ورواتها".قال: "فمن خالف حكمه خبراً منها، وليس له تأويل سائغ للخبر نقضنا حكمه، لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول" (?).قلت: لكثير من متعصبة الحنفية موقف مذموم من (الصحيحين) وفي قلوبهم حزازة منهما يبدو أثرها بين حين وآخر، وما تخفي صدورهم أكبر؛ ولكن كتابي (الدراسات) و (المكانة) قضاء عليهم (?).