وقد اعترف حذاق الكلام بأن الإقرار بوجود الله أمر ضروري فطري إذ لا سبيل إلى إنكار ذلك ومن أنكره إنما هو مكابر معاند. قال الشهرستاني في (نهاية الإقدام): " أما تعطيل العالم عن الصانع القادر الحكيم فلست أراها مقالة لأحد ولا أعرف عليه صاحب مقالة إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية ... فإن الفطر السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها على صانع حكيم عالم قدير أَفِي اللهِ شَكٌّ [إبراهيم:10] وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] وإن هم غفلوا عن هذه الفطرة في حال السراء فلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضراء ... لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) سورة النجم في البحر ضل من تدعون إلا إياه وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء: 67] ولهذا لم يرد التكليف بمعرفة وجود الصانع وإنما ورد بمعرفة التوحيد ونفي الشريك: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا)) (?) ولهذا جعل محل النزاع بين الرسل وبين الخلق في التوحيد .... " (?).
وبهذا يتبين لنا فساد دليل الحدوث الذي جعلته الماتريدية طريقهم لمعرفة الله تعالى وأتعبوا أنفسهم في تقريره وكلفوا الناس أمرا لا يطيقونه ولم يشرعه الله تعالى ولا رسوله فابتعدوا عن المنهج القرآني فضلوا وأضلوا.
ثانيا: إثبات وحدانية الله تعالى في ربوبيته: استدلت الماتريدية على إثبات وحدانية الله تعالى في ربوبيته بالدليل المشهور عند المتكلمين والمعروف بدليل التمانع (?) وهذا الدليل نجده بصورة مطردة عند جميع الماتريدية حتى أنهم في كثير من كتبهم لا يذكرون غيره (?).وقد استدل الماتريدي بأدلة أخرى كاستدلاله بتناهي العالم وآيات الأنبياء والرسل واتساق العالم ودقة صنعه وقد نص على هذا في كتاب (التوحيد) بقوله: " والدلالة أن محدث العالم واحد ... اتفاق القول ... على أن الواحد اسم لابتداء العدد واسم للعظمة والسلطان والرفعة والفضل كما يقال فلان واحد الزمان ومنقطع القرين في الرفعة والفضل والجلال وما جاوز ذلك لا يحتمل غير العدد فيجب أن يكون العالم غير متناه إذ لو كان منهم شيء واحد فيخرج الجملة عن التناهي بخروج المحدثين وذلك بعيد ثم ما من عدد يشار إليه إلا وأمكن من الدعوى أن يزاد عليه وينقص منه فلم يجب القول بشيء لما لا حقيقة لذلك بحق العدد لا يشارك فيه غيره لذلك بطل القول به " (?).